قصة قصيرة .. كلمة الزوج

سألتني السيدة والدتي والشرر يتطاير عن عينيها: "مَن هو رجل البيت عندكم.. أنت أم هي؟". ودخلت في ثيابي واهتز شارباي من الغضب. فعندما يبلغ الأمر بالحاجّة إلى طرح سؤال مثل هذا، فمعنى ذلك أنّ الأسرة كلها تتحدّث عني وعن "فرعنة" زوجتي ومحاولاتها السيطرة عليَّ. وطبعاً، كان جوابي: "اطمئني يا أُمّي.. ليس هناك من رجل في البيت سواي". ولم يبدُ على الوالدة أنها صدّقتني، ولا أنا كنت مُصدِّقاً نفسي.. فأيّ مَن يعرف جواهر، زوجتي، يدرك في أي

ورطة يقع من تجعل منه الأقدر زوجاً لها.
لا، إنّ جواهر ليست امرأة مسترجلة، ولا هي من النوع الذي يتكلم بالصوت العالي، وليس في مظهرها ما يدل إلا على النعومة والأنوثة والغواية. ولعلّ هذه هي نقطة ضعفي التي تجعلني أسير أهوائها، منقاداً لآرائها ومنفذاً قراراتها، حتى تلك التي أعرف أنها غير صائبة وستجرّ علينا الويلات. لكنني لست بالرجل الهزيل والمتخاذل، ولا ذاك الذي يمكن أن تجرّه امرأة من قرنيه، كالكبش الأعزل. لذلك أشعر بالحيرة من هذه الحال التي أنا فيها. فهل هو حبي لجواهر ما يسلبني أسلحتي؟ أم هي تربيتي التي رسّخت في نفسي احترام المرأة ومسايرتها وتلبية رغباتها، لأنّها الجنس الأضعف، وليس من الرجولة في شيء أن أرفع صوتي في وجهها، ولا أن أرفع كفي عليها.. أعوذ بالله؟.
هو شيء من هذا وذاك، تُضاف إليه شخصيتها الفريدة في صلابتها، كأنّها سكين من الألماس القاطع، مغلّف بوشاح من القطيفة. وقد عرفت في حياتي أشكالاً من البشر، لكنني لم أصادف إنساناً يمتلك القدرة على استلاب الآخرين.. مثل جواهر.. وأنا هنا أستخدم مفردة استلاب، لكي لا أنساق إلى عبارة جارحة هي "مسخ الآخرين". وقد رأيت كيف تمسخ زوجتي العباد، وتسحب المخالب كما تُسحب الشعرة من العجين، وتحيل مَن حولها إلى أتباع وتابعات لها، بمهارة تشبه السحر.
هل أقول للحاجّة الوالدة، إنّ زوجتي سحّارة؟ هل أقول إنني أحبها إلى درجة الإنقياد، ولا أدري ماذا يحصل لرجولتي عندما تتواجه مع نار أنوثتها؟ وهل يفهم الآخرون أنّ الحياة بين الرجل والمرأة، هي كيمياء شديدة التعقيد ومعادلات لا تنفع في تفسيرها القواعد العلمية الجامدة؟ لا، لن أقول ولن أفسر، لكني سأحاول أن أبطل سحر جواهر، ولو أمام والدتي.. على سبيل التمثيل. سأرفع صوتي وألقي عليها أوامري ولن أسمح لها بكلمة اعتراض. أنا رجل البيت المطاع، وهي ليست سوى زوجة تعيش من خيري وطوع بناني.. وإياها إياها تكسر كلمتي.
لا أدري ماذا يحصل لفراس في كل مرّة يعود فيها من زيارة والدته؟ إنّه شديد التوتر، يرمقني بنظرة غريبة ويحاول أن يتفادى الإحتكاك بي، أو الدخول في أي حوار معي. وأنا أعرف زوجي ولي القدرة على أن أقرأه مثل كتاب مفتوح أمامي.. كتاب تولّيت تأليفه بنفسي من الغلاف إلى الغلاف، وأنا جاهزة لأن يمتحنوني فيه ويختاروا لي الأسئلة الصعبة من أي فصل شاؤوا ومن أي صفحة.
أعرف أنّ حماتي لا تستلطفني. والحق أنني بذلت بعض الجهد في أن أكسبها إلى صفي، كعادتي مع كل المحيطين بي من قريبات وصديقات، لكنني وجدت الوضعية غير سليمة.. كيف أكون زوجة متصالحة مع حماتها، في مخالفة صريحة لكل قواعد الطبيعة، منذ أيام جدّتنا حواء حتى اليوم؟ لا. حواء وحدها التي لا تنطبق عليها القاعدة، لأنّها الزوجة الوحيدة التي لم تُرزق بحماة.
ما همَّني إذا أحبتني الحاجة أم فراس أم لم تحبني؟ إنّ المراة الكبيرة لا تفارق بيتها إلا نادراً، وزوّارها قلائل، ولن تقلقني كثيراً نظرتها لي مادام ابنها يحبني ولا يعصي لي أمراً. لذلك لا أفهم طائفة الحموات وأجدهنّ أنانيات، يفكرن في أنفسهنّ أكثر من التفكير في سعادة أبنائهنّ.
إنّها تُحرِّض زوجي عليَّ وتحاول أن تشحذ غضبه ضدي. وحتى عندما لا أكون حاضرة في جلساتهما، فإنني أستطيع أن أسمع كل الكلام الذي يدور بينهما. لقد حبَاني الله نعمة التكهُّن والتخمين، أو ما يُسمَّى الحاسة السادسة، سلاح المرأة الخفي. وأعرف أن حماتي تطالب ابنها بأن يكون رجلاً ولا يسلّم دفة القيادة لزوجته، التي هي أنا. وأعرف أيضاً أنّه لن يجرؤ على أن يصارحها إلى أي حد يعشقني ولا يستطيع مخالفتي. لذلك يعود من زياراته لها وهو منزعج، ومشتت بين حبه لوالدته وهيامه بي.
ولأنّه كتابي الذي من تأليفي، أقرأ في صفحة أفكاره ما ينوي أن يقوم به. إنّه يفكر في أن يلعب أمام والدته لعبة الزوج " الحمش" الآمر الناهي. وأنا ضد الكذب، لكنني لست ضد المراوغة واللعب. ومادام زوجي يريد مني أن أشارك في التمثيل، فلن أخذل رغباته وسيرى من مواهبي عجباً. سأخفض عينيَّ أمام عينيه ولن يسمع مني سوى كلمة "نعم، حاضر، إن شاء الله". كل هذا أمام حماتي، أما إذا عدنا إلى البيت، فإن ثياب المسرح تذهب إلى القمامة.
لمزيد من التواصل مع موقع  عالم المعرفة و التميز أضغط هنا و أنضم لصفحتنا على Facebook