الدعاء.. مفتاح الحاجات ووسيلة الرغبات


- الدعاء وأهميّته: يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر/ 60).
الدعاء عبادة يُمارسها الإنسان في جميع حالاته. وهو عبارة عن كلام المخلوق مع خالقه، ويُترجم عمق الصلة بين العبد وربّه، ويعكس حالة الإفتقار المتأصّلة في ذات الإنسان إلى الله سبحانه، والإحساس العميق بالحاجة إليه والرغبة فيما عنده.
فالدعاء مفتاح الحاجات ووسيلة الرغبات، وهو الباب الذي خوّله تعالى لعباده، كي يلجوا إلى ذخائر رحمته وخزائن مغفرته، وهو الشفاء من الداء، والسلاح في مواجهة الأعداء، ومن أقوى الأسباب التي يُستدفع بها البلاء ويُردّ بها القضاء. ولذلك، فإنّنا نجد الدعاء من أبرز القيم الرفيعة عند الأنبياء والأوصياء والصالحين (ع)، ومن أهمّ السنن المأثورة عنهم؛ قال رسول الله (ص): "ألا أدلّكم على سلاح يُنجيكم من أعدائكم ويدرّ أرزاقكم؟".
قالوا: بلى يا رسول الله.
قال (ص): تدعون ربّكم بالليل والنهار، فإنّ سلاح المؤمن الدعاء".
وعنه (ص): أنّه قال: "الدعاء مخّ العبادة، ولا يهلك مع الدعاء أحد".
- من آداب الدعاء: الإبتداء بالحمد:
ومن المعلوم أنّ لكلّ أمر عبادي آدابه وشروطه، والدعاء واحد من أهمّ العبادات في حياة الإنسان، لاسيّما الإنسان المؤمن، فله آدابه الظاهريّة والباطنيّة، ومنها:
تقديم المدحة لله والثناء عليه قبل المسألة: فقد روى الحارث بن المغيرة قال: سمعت أبا عبدالله (ع) يقول: "إيّاكم إذا أراد أن يسأل أحدكم ربّه شيئاً من حوائج الدنيا حتى يبدأ بالثناء على الله عزّوجلّ والمدحة له، والصلاة على النبي (وآله)، ثمّ يسأل الله حوائجه".
وقال (ع): "إنّ رجلاً دخل المسجد وصلّى ركعتين، ثمّ سأل الله عزّوجلّ فقال رسول الله (ص): أعجلَ العبد ربّه، وجاء آخر فصلّى ركعتين ثمّ أثنى على الله عزّوجلّ وصلّى على النبي (ص)، فقال رسول الله (ص): سل تعطه".
- قد لا يستجاب الدعاء:
لكن مع رعاية الكثير من الآداب الظاهرية والباطنية، والإلحاح بالدعاء، نجد أنّ الله سبحانه وتعالى لا يستجيب دعاءنا، ولا تتحقّق آمالنا، فما السر في ذلك؟
والجواب عن هذا السؤال أنّ السر يعود لعدّة أسباب:
أ‌) هناك أشخاص لا يُستجاب دعاؤهم أبداً مهما دعوا.
روى جعفر بن إبراهيم عن أبي عبدالله (ع) قال: "أربعة لا يُستجاب لهم دعوة:
1- رجل جالس في بيته يقول: اللّهمّ ارزقني. فيُقال له: ألم آمرك في الطلب؟
2- ورجل كانت له إمرأة فاجرة، فدعا عليها. فيقال له: ألم أجعل أمرها إليك؟
3- ورجل كان له مال فأفسده، فيقول: اللّهمّ ارزقني. فيقال له: ألم آمرك بالإصلاح (أي الإقتصاد). ثمّ قال: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) (الفرقان/ 67).
4- ورجل كان له مال فأدانه بغير بيّنة. فيقال له: ألم آمرك بالشهادة؟".
ب‌) من دعا بقلب قاسٍ أو لاهٍ:
وهذه من أعظم المصائب التي يُبتلى بها الإنسان المؤمن، بحيث يُسلب منه لذيذ مناجاة الله سبحانه، فهو يدعو بلسانه، وقلبُه معلّق بالدنيا ومشاغلها، فكيف يتوقّع إستجابة دعائه وهو لا يلتفت لما يدعو ومن يدعو؟! بل عليه أن يلتفت بكلّه لمسبّب الأسباب، ويتوجّه بقلبه إلى ربّ الأرباب، حتى يتوقّع الإجابة.
روى سليمان بن عمر قال: سمعت أبا عبدالله (ع) يقول: "إنّ الله لا يستجيب دعاء بظهر قلبٍ ساهٍ، فإذا دعوت فأقبل بقلبك ثمّ استيقن بالإجابة".
وعن أبي عبدالله (ع) قال: "إنّ الله عزّوجلّ لا يستجيب دعاءً بظهر قلبٍ قاسٍ".
ج) من لم يتقدّم في الدعاء لم يُسمع منه إذا نزل به البلاء:
كثيرٌ من الناس لا يعرف الدعاء إلاّ بعد حلول البلاء عليه، وبعد نزول المصائب، فأين كان أيّام الدعة والرخاء؟ ولمَ لم تكن الملائكة تسمع صوته عندما كان معافى وغنياً وآمناً؟! فإذا أراد الإنسان أن يُستجاب دعاؤه عند نزول الشدائد والمصائب والإبتلاءات – وهذه هي حال الدنيا – فعليه أن يدعو الله سبحانه على كلّ حال، ويستعجل بالدعاء وهو في أمن وأمان، وصحّة وسلام، وغنى وإنعام، فليس الدعاء لدفع الضرر فقط، وإنّما هو لإستدرار الخير أيضاً، وعلى الإنسان أن يلتفت إلى أنّ الشرور والمصائب التي يدفعها الله عنه كثيرة جدّاً، ونِعَم الله عليه لا تُحصى. فحريّ به أنْ يدعوه ويشكره على كلِّ حال.
د) من دعا وهو مصرّ على المعاصي لا يُستجاب دعاؤه:
كيف يتوقّع الداعي أن يستجيب الله له وهو مصرّ على معصيته!؟ وكيف يتوقّع الخير وهو لا ينفكّ عن فعل الشرّ!؟
عن أبي ذرّ، عن النبي (ص)، في وصيّته له قال: "يا أبا ذرّ، يكفي من الدعاء مع البرّ ما يكفي الطعام من الملح، يا أبا ذرّ، مثل الذي يدعو بغير عمل كمثل الذي يرمي بغير وتر. يا أبا ذرّ إنّ الله يُصلح بصلاح العبد ولدَه وولدَ ولدِه، ويحفظه في دويرته والدور حوله ما دام فيهم".
وعن الإمام الصادق (ع): كان رجل من بني إسرائيل يدعو الله تعالى أن يرزقه غلاماً، ثلاث سنين، فلمّا رأى أنّ الله لا يُجيبه قال: يا ربّ، أبعيد أنا منك فلا تسمعني، أم قريب فلا تُجيبني؟ فأتاه آتٍ في منامه قال: إنّك تدعو الله منذ ثلاث سنين بلسانٍ بذيء وقلبٍ عاتٍ غير نقيّ، ونيّة غير صافية (صادقة)، فأقلع عن بذائك، وليتّق الله قلبُك، ولتحسِّن نيّتك، ففعل الرجل ذلك عاماً فولد له غلام".
وروى علي بن أسباط عن أبي عبدالله (ع): "مَن سرّه أن تُستجابَ دعوته فليطيّب مكسبه".
وقال (ع): "ترك لقمة الحرام أحبّ إلى الله من صلاة ألفي ركعة تطوّعاً".
وعنه (ع): "ردّ دانق حرام يعدل عند الله سبعين حجّة مبرورة".
وفيما وعظ الله به عيسى (ع): "يا عيسى، قل لظَلَمة بني إسرائيل: غسلتم وجوهكم ودنّستم قلوبكم، أبي تغترّون، أم عليَّ تجترئون؟ تتطيّبون بالطيب لأهل الدنيا وأجوافكم عندي بمنزلة الجيف المنتنة، كأنّكم أقوام ميّتون.
يا عيسى، قل لهم: قلّموا أظفاركم من كسب الحرام، وأصمّوا أسماعكم عن ذكر الخنا (الفحشاء)، وأقبلوا عليَّ بقلوبكم، فإنّي لست أريد صوركم.
يا عيسى قل لظلّمة بني إسرائيل: لا تدعوني والسحت تحت أقدامكم، والأصنام في بيوتكم، فإنّي آليت (أقسمت) أن أُجيب مَن دعاني، وإنّ إجابتي إيّاهم لعناً لهم حتى يتفرقوا".
- ظُلم الناس:
كيف تأمل أن يستجيب لك الله وأنت تظلم أحداً من عباده، وأنت تظلم أخوتك، أو زوجتك، أو أولادك، أو المسؤول عنهم، أو جيرانك أو أحداً من أهل ملّتك ومذهبك وهم ليس لهم ناصرٌ ولا معين غير الله؟ أتظنّ أنّه يُقدِّم دعاءك على دعائهم وأنت تعلم أنّ دعاء المظلوم لا يحجبه عن الله حاجب؟ فلنتّق الله، ولنُحاسب أنفسنا على تعاملنا مع الآخرين قبل يوم الحساب، ولنُسارع إلى رفع مظلمتنا عنهم، عسى أن يقبل الله توبتنا، ونجوز على الصراط جنّات النعيم.
عن أبي عبدالله (ع) في قول الله عزّوجلّ: (إنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) (الفجر/ 14)، قال: "قنطرة على الصراط لا يجوزها عبد بمظلمة".
المصدر: كتاب مظاهر الرحمة (سلسلة الدروس الثقافية)
لمزيد من التواصل مع موقع عالم المعرفة و التميز أضغط هنا و أنضم لصفحتنا على Facebook