تناول الطعام للإستمتاع بالحياة


في كل مرّة تجلس لتناوُل الطعام، تتخذ قراراً يُغيِّر مسار حياتك. أنت تُقرِّر كيف ستحيا مُعافًى وكم من الأيّام ستنعم بالعيش فيها، لا بل أنت تُقرِّر مدى إحساسك بالعافية وتمتعك بالحياة، اليوم وحتى آخر العمر.
وفي الواقع، أنت في كل مرّة تنظر إلى حصة من الطعام، إنّما تُحدِّق إلى مصير صحّتك. ويكمن مفتاح جعل هذه الرؤية هدفاً منشوداً في إتّخاذ قرار فوريّ بتناوُل الطعام للإستمتاع بالحياة.
أعلمُ أن تناوُل الطعام بشكل صحّي قد يبدو مهمّة عسيرة، ولكي أثبت كم أنا ضعيف أمام الأطعمة الضارّة، سأكون صادقاً معك. في الفترة الأخيرة، تناولت كعكات الشوكولاتة بالبندق والآيس كريم بالفانيليا كتحلية بعد الغداء. أمّا عند العشاء، فطهوتُ لنفسي طبق لازانيا صحيّاً بالسبانخ والخضر مع النودلز المصنوع من القمح الكامل وجبن الحلّوم القليل الدسم. وبالنسبة إلى التحلية، قلتُ في نفسي: "ما الضير في قليل من الأطايب؟ تناوَل بعض كعكات الشوكولاتة!" وهكذا فعلت. خبزتُ قليلاً منها وكان مذاقها رائعاً.
وفي الصباح التالي، دهمني الوقت، وسرعان ما وقعَ نظري على إناء الكعكات المتبقّية في المطبخ..
وكنت غالباً ما أُعِدُّ لنفسي على الفطور شراب كوكتيل من ثمرات التوت، والعنبيّة المجلّدة، وبروتين مصل اللبن، واللبن الخاثر. وإذا كنتُ في عجلة من أمري، أقضم لوحاً من الشوفان الصحي وأنا أغادر المنزل. لكنّني فكّرت وقلت في نفسي وأنا أرمقُ باشتهاء كعكات الشوكولاتة: "ما الضير في ذلك؟ بضع كعكات على الفطور لا تؤذي أحداً". وهكذا التقطتُ كعكتين وتمتّعتُ بطعم الشوكولاتة اللذيذ وأنا في طريقي إلى العمل. وقلتُ في نفسي: "حسناً، هذا هو التمتُّع بالحياة!".
هنا أخذت القصة تزداد سوءاً. ففي وقت الغداء، شاركتُ في مؤتمر داخل المركز الطبي، وهناك إلى جانب شطائر اللحم والجبنة السويسريّة، كان ثمّة صينيّة ملأى بكعكات الشوكولاتة – تماماً كما حزرت! لم أتمالك نفسي. وتردّد صوت في داخلي قائلاً: "عليكَ بها يا ترافيس!" وهذا ما فعلت.
كنتُ هناك رجلاً ناضجاً حائزاً على درجة دكتوراه في الطب يسيل لعابه أمام كعكات الشوكولاتة! وسأعترف أنني أعاني مشكلة التعلُّق بتلك الكعكعات، فإذا ما وُضِعَتْ أمامي وجدتُ صعوبة في الإمتناع عن أكلها.
ولسوء الحظ، فإنّ الجسم البشري غير مهيّأ تماماً لتناوُل كعكات الشوكولاتة ثلاث مرّات في غضون اثنتي عشرة ساعة. لذا، لا داعي للقول إنني لم أشعر بالإرتياح في فترة بعد الظهر. لا بل أقول بصراحة إنني شعرتُ بتوعّكٍ. لذا، قمتُ بتمارين رياضية سريعة في وقت متأخر من النهار، وتناولت عشاءً صحّياً جدّاً. وعلى مدى الأسابيع القليلة التي تلت تغاضيت عن تناوُل كعكات الشوكولاتة، لكنّني كنت مرتاحاً إلى واقع أنّني في وقتٍ ما سأستلم مجدّداً أمام التمتُّع بهذه الكعكات.
والقصدُ من كلامي هو أنّنا جميعنا نمرّ بلحظات من الضعف، وأنّ الأطباء قد يبدون ضعفاً إزاء الأغذية وأنماط العيش السيِّئة شأنهم في ذلك شأن سواهم من البشر، وربّما أكثر من غيرهم، نظراً إلى جدول أعمالهم الحافل والواقع المحموم للحياة في المستشفى.
قد نكون أسوأ المرضى، وكذلك قد نكون الأسوأ من حيث اعتناؤنا بأنفسنا. وكشأن كلّ إنسان آخر، يغفل العديد من الأطبّاء عن قدرتهم على التحكّم بصحّتهم.
أعرفُ العديد من الأطباء ممّن يعانون الوزن الزائد. وعلى الرغم من أنّ الأطبّاء يُدركون بحُكم خبرتهم مدى الأذى والضرر الذي يُلحقه الوزن الزائد بصحة المرء، فهم قد يعانون مشكلة مع البدانة. ولا أقصد بقولي هذا الإستهانة بالأطبّاء ذوي الوزن الزائد، بقدر ما أقصد إلى إظهار مدى الصعوبة في تحديد الخيارات المناسبة لأنماط العيش، حتى بالنسبة إلى أولئك الذين يُفترض فيهم أن يكونوا أكثر دراية من غيرهم.
وإليك مثالاً آخر: تحادثت قبل مدّة في خلال نوبة عمل لي داخل غرفة الطوارئ مع طبيب زميل لي في منتصف الأربعينات صُودِفَ أنّه أبٌ أيضاً. نظر إليّ وقال: "إنّ معدّل الكوليسترول لديّ يزيد على اثنين وخمسين (ملليغراماً في الديسيليتر) ولم أفعل أيّ شيء لخفضه". أبديتُ إنزعاجي لذلك، كونه أباً لأطفال رائعين يودّون حتماً أن يبقى أبوهم معهم وإلى جانبهم أطول وقت ممكن، وقلت له ذلك بكل صراحة. فأجابني باستكانة: "أنتَ على حقّ. عليّ إيلاء صحتي إهتماماً أكبر". وبعد ذلك بساعات قليلة قال لي طبيبٌ آخر: "يا ترافيس، لقد أحضرت معي بضع شطائر من التشيز بيرغر (من اللحم والجبن) وقليلاً من البطاطا المقليّة. هل تودُّ أكل شيء منها؟" فرمقْتُهُ مبتسماً وقلت: "هل تُدرك أنّ الكثير من المرضى هم هاهنا اليوم لأنّهم يتناولون دائماً طعاماً سريعاً كمثل هذا؟" فقال لي: "نعم، لكنها لذيذة جدّاً! لا ضيرَ في أن تُمتِّع نفسك قليلاً!" إنّه على حق، فهي لذيذة الطعم في البداية، لكنني بعد نحو عشرين دقيقة من تناوُلها، سوف أشعرُ بالتوعُّك، وهو شعور غير مستحبّ في خلال العمل داخل غرفة طوارئ مزدحمة!
أنا لم أتَّبع حمية غذائية قطّ، ومع ذلك فأنا أنعمُ بصحّة جيِّدة بحيث أشعر بنشاط جسدي كبير، ومؤشِّراتي الصحية ممتازة، ووزني معتدل. وأعتقد أنّ ثمّة سببين رئيّسيّين لذلك هما: (1) إنّني نَشِطٌ للغاية، و(2) إنني أستمتعُ فعلاً بتناولي الطعام. بالإضافة إلى أنني أخصِّص ما بين 90 و95 بالمئة من وقتي متلذّذاً بأكلي الطيِّبات من الأطعمة الصحيّة، في حين أسمحُ لنفسي في ما تبقّى من الوقت (بين 5 و10 بالمئة منه) بتناول الأطايب، مثل كعكات الشوكولاتة أو شطائر اللحم والجبن (تشيز بيرغر) والبطاطا المقليّة، من حين إلى آخر.
والحق أنّ الأطباء والعلماء لم يكتشفوا بعد سُبل إعداد نظام غذائي أو حِمية مُثلى لتخفيض الوزن، حِمية تتيح لنا الحفاظ على وزن مثالي وتحسين صحّتنا على نحوٍ أفضل. ولم يثبُت نجاح أيّ حِمية لتخفيض الوزن في تاريخ البشرية بتجربة سريرية جدّية على وتيرة عشوائية يُتابَع المشاركون فيها وقتاً طويلاً كافياً، لنقُل ما بين خمس سنوات إلى عشر، لأنّه ثبَتَ تعذُّر القيام بمثل هذه التجربة.
وتكمن المشكلة في أنّ العلماء لم يستنبطوا حتى يومناً هذا وسيلة لطرح حِميات أو أنظمة غذائية مختلفة ومراقبة مَن يتّبعها على مرّ العقود حتى حدوث الموت السريري.
ولو تسنّى ذلك لهم لتمكّنوا من أن يُحدِّدوا بالتفصيل مدى إلتزام هؤلاء المتّبعين للحميات الغذائية المنشودة، ومدى تأثير تلك الحميات في وزن كلٍّ منهم وصحته وفي تطور مخلتف الأمراض التي يعانيها إثر اتّباعه كل حمية.
لذا، وعوضاً عن ذلك، فإنّ ما يحاول الخبراء القيام به هو جمع الإثباتات معاً بمقارنة مختلف أنماط السلوك الغذائي المتّبعة لدى مختلف التجمُّعات السكانية، وهو ما يطلق عليه "علم الوباء التغذويّ". كما يسعون إلى جمع الإثباتات معاً عبر استبيانات، أو يوميات خاصة بالغذاء، أو دراسات سريريّة غالباً ما تُجرَى على مجموعات صغيرة من الناس على مدى عام أو أقلّ. هذه الأبحاث كلّها لم تبلغ حدّ الكمال، لكنها تشير إلى إتجاهات جديدة واعدة. وقد تبيّن أنّ هناك نمطاً غذائياً يمكنك البدء به فوراً، قد يساعدك على تخفيض وزنك، وتحسين صحّتك على نحوٍ أمثل، ويجعلك تشعرُ بالعافية. وهذه الخطة الغذائيّة ليست نظاماً صارماً من قواعد الحمية التي تجعلك تشقى، لكنها خطة سلوكيّات ونمط عيش تتمتَّع به أيّما تمتُّع.
هذه الخطة بسيطة جدّاً إلى درجة يمكن إختصارها بثلاث نقاط، هي عبارة عن ثلاث خطوات بسيطة تشتمل على كل شيء تحتاج أنت وعائلتك إلى معرفته عن كل ما يتعلق بتناول الطعام الصحي. تستند الخطة إلى أحدث الأبحاث عن التغذية المتقدّمة التي تُجرى حالياً حول العالم من قِبَل أعظم العلماء والأطّباء. إنّهم خبراء ينشرون أبحاثاً معمّقة في نشرات ودوريّات طبّية وعلميّة مرموقة، يُقارنون مختلف أنماط السكّان وأنواعاً عديدة من الأغذية والمكوّنات، محاولين إستخلاص أكثر الدروس الواعدة لصالح صحّتنا. وقد لُخِّصَتْ أكثر إكتشافاتهم وإستنتاجاتهم أهميةً في صيغة بسيطة جدّاً سهلة الفهم والتذكُّر.
ولقد دعوتها "خطة تناوُل الطعام للإستمتاع بالحياة".
- الدكتور ترافيس ل. ستورك
* خطة "تناول الطعام للإستمتاع بالحياة":
الحِمية المُثلى لتحسين الصحة
1- اتَّبع أنماط تناول الطعام الصحي المُعتمدة إلى حدٍّ كبير على أنواع مختلفة وعديدة من الخضر والفواكه الكاملة، والحبوب الكاملة، والأغذية الصحية مثل السمك والمكسّرات والبقول.
2- تناول كميّاتٍ أقلّ من الملح، والدهون السيِّئة، والسكر المُضاف، والأطعمة المعالجة صناعياً.
3- انشُد الحفاظ على وزن صحي عبر موازنة ما تتناوله من سُعرات حرارية (Calories)، وقُم بتمارين رياضيّة معتدلة من 30 إلى 60 دقيقة في معظم أيام الأسبوع.
4- ويمكنك إذا ما اتّبعت هذه الخطوات معاً أن تُخفِّض مخاطر تعرُّضك للغالبيّة العظمى من الأمراض المزمنة السائدة في أميركا اليوم، ومن بينها أمراض أوعية القلب الدمويّة، والبدانة، وأنماط عدّة من السرطانات، وداء السُّكّري "النوع 2"، وحالات مرضيّة أخرى من بينها ألزهايمر، والعُنّة، وهشاشة العظام، وإلتهاب المفاصل العظميّة وغيرها.
إنّها بهذه البساطة – ثلاث نقاط فحسب.
بإمكانك ملاحظة عدم وجود أيّ مراحل تحفيز شاقّة، وإزالة للسموم، وتنظيف للأمعاء، وحميات غذائيّة تعتمد على العصائر فحسب، وإحداث صدمة للجسم، وإبعاد الأطعمة القلويّة، أو سواها من وصفات سقيمة غريبة غير مفهومة في هذه الخطّة، ولا حتى مجموعات أغذية ممنوعة أو قواعد ساذجة ومُنافية للعقل والمنطق لدمج الأطعمة.
إنّ "خطة تناول الطعام للإستمتاع بالحياة" هي عبارة عن خارطة طريق بإمكانها إنقاذ حياتك، وتحسين صحّتك على نحوٍ أمثل، ومضاعفة شعورك بالإرتياح.
المصدر: طبِّب نفسك بنفسك
لمزيد من التواصل مع موقع عالم المعرفة و التميز أضغط هنا و أنضم لصفحتنا على Facebook