مراحل ظهور أسنان الطفل الأولى


لا يجهل كل من ربى طفلاً كيف أن مرحلة نمو أسنانه الأولى مؤلمة له، ومصدر سهر وتعب لوالديه. فكيف التصرف أثناء تلك الفترة الحرجة من حياة الطفل؟
يروَى أن نابليون بونابرت ويوليوس قيصر، وغيرهما، ولدوا وفي فم كل منهم سن. ولا أحد يعرف إن كانت تلك مجرد أساطير. لكن أخصائيي طب الأطفال يميلون إلى الظن أنها خزعبلات. ففي شأن أسنان الطفل الأولى، يظل التساؤل الأكثر إنتشاراً، منذ القِدم، هو: "متى تظهر تلك الأسنان".
البعض يقلق من رؤية طفله وقد أتمَّ، مثلاً، شهره التاسع من دون ظهور أي سن. وبعض آخر، على العكس، يقلق حين يجد أن طفله، في سن 3 شهور وحسب، بدأت تظهر له أسنان. وفي الحالتين، لا داعي للقلق. فلا شيء يضاهي ظهور أسنان الطفل من حيث التباين والإختلاف من طفل إلى آخر. فحالات ظهور أسنان بشكل مبكر، أحياناً في عمر شهرين اثنين فقط، واردة. وفي الوقت نفسه، العكس غير مستبعد أيضاً: تأخر ظهور أوّل سن لغاية عمر سنة واحدة، وربّما أكثر بقليل. لكن ترتيب الظهور مشترك بين الجميع: يظهر أوّلاً القاطعان الأماميان السفليان، ثمّ القاطعان الأماميان العلويان، ثمّ الأسنان الأخرى تباعاً.
- خطوط عامة:
على الرغم من ذلك التباين بين طفل وآخر، ثمّة خطوط عريضة، وتوجهات عامة، أهمها:
1- عند معظم الرضع، تظهر الأسنان بدءاً من سن 6 إلى 7 شهور.
2- هذا لا يعني أنها "يجب" أن تظهر في تلك الفترة. فلدى البعض، لا تبدأ في الظهور سوى قبيل إحتفالهم بعيد ميلادهم الأوّل، أو بُعيده.
3- في المقابل، ثمّة حالات معاكسة، عن أطفال "باكوريين" جدّاً، تبدأ أسنانهم في الظهور في سن 3 أشهر، وربّما قبلها.
4- لوحظ أن ثمّة عاملين اثنين يساعدان على بدء ظهور الأسنان بشكل مبكر: نحافة الطفل، وإرضاعه حليب الأُم. إذ ثبت، إحصائياً، أنّ الأطفال النحيفين، أو الطوال نسبياً بالقياس إلى أعمارهم، تبدأ أسنانهم في الظهور قبل البدينين والقصار نسبياً. وبالمثل، يلاحظ الأخصائيون أنّ الطفل المتغذي على حليب الأُم، عموماً، تظهر أسنانه قبل الطفل المربّى على الحليب الصناعي (حليب الـ"قواطي").
5- ينبغي أن تكون الأسنان اللبنية الأولى مكتملة في سن عامين اثنين. وهذا ما يحصل على الأغلبية العظمى من الأطفال. لكن، ثمّة إستثناءات. فعند بعض الأطفال، لا يكتمل نمو الأسنان الأولى سوى بعد مضي أشهر على عيد ميلادهم الثاني. وهي حالات نادرة، لكنها طبيعية ولا تستدعي أي قلق.
لذا، يحسن بالوالدين التحلي بالصبر، وعدم الإستعجال. فإن رأيت أن طفلك بلغ، على سبيل المثال، 10 شهور، وحتى 12 شهراً، ولم تظهر أولى أسنانه بعد، فاعلمي أنّه سوف يتدارك التأخير، وأن أسنانه اللبنية الأولى، في الأحوال كلها، سوف تكون متكاملة في سن عامين، وربّما بعدها بقليل. ولا ضير في ذلك، ولن يتأثر نموه سلبياً، ولا يعني أنّه سيكون أقل قدرة على القضم والمضغ من أترابه، ولا أقل قوة وصحة وعافية منهم. فظهور الأسنان "مبرمج" جينياً، مثله في ذلك مثل كل ما يخص النمو. وكم نرى أطفالاً قصار القامة في مرحلة معيّنة، ثمّ ما يلبثون أن يتخطوا التأخير، ويلحقون بأقرانهم، وربّما يتجاوزنهم.
- إشارات ظهور الأسنان:
هنا أيضاً، من طفل إلى آخر، تختلف "الأعراض"، بالأحرى الإشارات (بما أن ظهور الأسنان ليس مرضاً). مع ذلك، مع معظم الأطفال، يمكن ملاحظة العلامات الآتية، كلياً أو جزئياً، أثناء بروز الأسنان، مع توخي التشديد على أنها، إن ظهرت، فتكون طفيفة:
- يزداد لعاب الطفل والـ"روال" السائل من فمه (ما يسمى "رهوالة" أيضاً).
- يسعى الطفل إلى عض ما يقع بين يديه، وربّما عض أصابع والديه، وأصابعه هو نفسه.
- تقل شهيته.
- تنتفخ لثتاه نوعاً ما، وتحمران.
- تحمرُّ خده أيضاً، من الجهة التي تنمو فيها السن الأولى.
- يصبح أكثر عصبية وإضطراباً، سواء أفي الليل أم في النهار، لكن لاسيما ليلاً. وعموماً، تدوم هذه الحالة 48 ساعة. لكن، لا يُستبعد "تمديدها"، مثلاً لـ24 ساعة أخرى، وربّما أكثر. ومردُّها: تسعى الأسنان إلى "ثقب" اللثة، والظهور خارجها، ما يقلق الطفل ويجعله يحس بحصول شيء غير طبيعي في فيه.
- لا يندر ظهور طفح جلدي وردي بين فخذي الطفل.
- كما لا يندر أن ترتفع درجة حراراته إرتفاعاً طفيفاً (لا تتجاوز 38 درجة مئوية)
- ربّما يصبح برازه مائعاً جدّاً، أكثر من المعتاد.
ما تقدم، يمكن أن يشكل إشارات إلى بزوغ أسنان الطفل. لكن، ينبغي معرفة أنّ الحالات أدناه، إن حصلت، ليست لها أي علاقة بظهور الأسنان، بعكس ما تظنه بعض الأُمّهات. فهي تعكس حالات مرضية أخرى، قائمة في حد ذاتها، بشكل مستقل تماماً عن التسنين. وتتمثل تلك الأعراض في:
* التقيؤ.
* الإسهال.
* الرشح والزكام.
* الحمى أو إرتفاع درجة الحرارة إرتفاعاً ملحوظاً.
- تهدئة الأوجاع:
يمكن إعطاء الطفل مسكنات تضم مركّب الـ"باراسيتامول"، طبعاً بما يتناسب مع سنه ووزنه. ولا يندر أن تكون تلك المسكنات موجودة أصلاً في خزانة أدوية العائلة، بعد وصفها من قِبَل طبيب الأطفال في حالات مرضية سابقة، ليست ذات علاقة بمرحلة التسنين. كما يمكن شراء كريم خاص، يباع في الصيدليات، يسهم في "تخدير" اللثة نوعاً ما، بالتالي تهدئة ألمها. وبشكل عام، يُنصح بتدليك لثة الطفل بتلك الكريمات تدليكاً خفيفاً، لمدة وجيزة، مرتين في اليوم، خصوصاً قبل النوم. وهذه الكريمات، المصنوعة بطعم يستسغيه الطفل، تؤدي إلى نتائج لا يستهان بها، وإن كانت لا تقضي على الألم تماماً. كما يمكن إستخدام تحاميل خاصة للأطفال، قبيل نوم الطفل، لإعانته على تمضية ليلة أقل إضطراباً.
إلى ذلك، إذا كان طفلك في سن 6 شهور فما فوق (وهذا شرط أساسي)، من المفيد جدّاً إعاؤه ما يمضغه. فهناك قطع بلاستيكية طبية خاصة، تباع في الصيدليات ومحلات الأطفال، مدروسة بحيث لا تؤذي الطفل، ولا يمكنه بلعها. وحتى من دون تلك القطع، لا تترددي، من وقت إلى آخر، في تقديم قطعة جزر إلى طفلك، من السعة بحيث لا يستطيع إبتلاعها، لكن يمكن أن "يتسلى" بعَضِّها ومحاولة قضمها، ما يسهم في تخفيف ألمه. وفي الأحوال كلها، من المفيد جدّاً إستشارة طبيب أطفال أو طبيب أسنان، لاسيّما إذا لاحظت أن طفلك مضطرب أكثر من اللزوم في تلك المرحلة، خصوصاً ليلاً.
- عناية مبكرة:
كما ينصح الأطباء بتنظيف أولى الأسنان اللبنية تلك، بعد ظهورها، بكمادة مبللة، مرتين في اليوم: صباحاً عقب فطور الطفل، ومساء قبل نومه، وربّما تفريشها سريعاً بفرشاة ناعمة. فضلاً عن تنظيف الأسنان، تتيح تلك الحركات تعويد الطفل، منذ نعومة أسنانه، على اتباع الشروط الصحية اللازمة لسلامة الأسنان والفم، وتُهيئه لتقبلها لاحقاً، ثمّ الإعتماد على نفسه لتأديتها يومياً.
وفي مرحلة تالية: يمكن البدء بإستخدام معجون أسنان. لكن، في حال طفل لا يعرف كيفية البصاق بعد، ينبغي التقتير في المعجون، ووضع كمية ضئيلة (بقدر حبة حمص صغيرة، لا أكثر)، مع الحرص على إستخدام معجون خاص بالصغار جدّاً. وعلى العموم، في سن 6 أو 7 سنوات، يصبح الطفل قادراً على الإعتناء بنظافة أسنانه بنفسه، من دون تدخل الوالدين أو رقابتهما. على الرغم من ذلك، فبين ظهور أسنانه (في سن 6 أو 7 شهور)، وبلوغه مرحلة الإعتناء بها لوحده (6 إلى 7 سنوات)، يضطلع الوالدان بدور حاسم في توجيهه، والإشراف عليه، ومراقبته، وتعليمه القواعد الصحية.
أمّا عن التغذية، فمن الخطأ الظن أنّ السكريات والحلوى والسكاكر، وما شابه، هي وحدها المسببة لتسوس الأسنان اللبنية. فالخمائر الموجودة في أكثر الأطعمة، بما فيها الفواكه والحبوب والخبز والبسكويت، يمكن أن تشكل هي أيضاً مصدر خطر على أسنان طفلك. ولا يمكن الوقاية من ذلك الخطر سوى من خلال تفريش منتظم. ومن النصائح الأخرى: لا تعوِّدي طفلك على النوم وبين شفتيه رضَّاعة حليب أو عصير. فهذه تضم كميات من السكر، البسيط أو المركب، من شأن وجودها على الأسنان لمدة طويلة الإسراع في تسوسها.
لمزيد من التواصل مع موقع عالم المعرفة و التميز أضغط هنا و أنضم لصفحتنا على Facebook