قصة قصيرة .. حُسن الجوار


وصل الأستاذ صادق إلى العمارة.. صعد إلى بيته إلى الطابق الثالث وكانت زوجته مشغولة في ترتيب البيت.. خلع سترته وكان يشعر بالجوع، ذهب ناحية المطبخ وقبل أن يمسك مقبض الثلاجة.. شعر بدوار في رأسه.. وأخذ العرق يتصبب من جبينه.. حاول أن يتمالك نفسه لئلا يقع على الأرض ولكن دون جدوى.. سقط مغشيا عليه.. ومع سقوط الأستاذ صادق هرعت زوجته نحو المطبخ.. ونظرت إلى أبي أحمد المطروح على الأرض.. تفحصت وجهه الشاحب وصرخت تضرب على وجهها.. ومع صراخها خرج أحمد مذهولاً من الغرفة:
- ما بك يا أُمّي؟
الأُم تبكي وتولول تشير إلى الوالد المطروح.
- أبوك.. أبوك..
وفي نفس الحالة من الهلع والإضطراب والدموع المنهمرة قالت:
- اذهب واخبر جارنا في الطابق الأوّل الحاج عبدالله لنأخذ والدك إلى المستشفى.. انطلق أحمد مسرعاً كما تنطلق النبلة من القوس.. ثمّ عاد بصحبة الحاج عبدالله قال الجار:
- لابدّ أن نذهب إلى المستشفى بسرعة.. وبصعوبة حملوا الأستاذ صادق وبمساعدة الجيران وانزلوه من الطابق الثالث إلى أسفل العمارة.. بعد أن أوقف أحمد إحدى سيارات الأجرة حتى يصلوا بسرعة إلى أقرب مستشفى..
قال الدكتور الشاب بعد أن وجه كلامه إلى أُم أحمد..
- مع الأسف.. انّ الأستاذ حصلت له سكتة دماغية ويجب أن يستريح في إحدى ردهات المستشفى..
قالتك أُم أحمد بعد أن بلعت ريقها وهي تبكي:
- وهل تتحسن حالته يا ددكتور..
- إن شاءالله، كل شيء بيده تعالى..
ثمّ سكت برهة وهو يقول:
- اطمأني يا حاجة.. ستكون صحته جيِّداً إذا ابديتم التعاون معنا..
- بكل سرور.. وأنا أتمنّى أن يعود إلى حالته الطبيعية..
قال أحمد:
- سنعمل بتوجيهاتك يا دكتور.. آملين ان يشفى بسرعة.. ومكث الأستاذ صادق شهرين في المستشفى بتوجيه الأطباء.. وبرعاية أُم أحمد وولده أحمد.. ولكن مع شديد الأسف أن نصف جسمه الأيمن لا يتحرك.. وقبل أن يخرج من المستشفى وصى الطبيب أن يأتي للعلاج الطبيعي مرّتين في الأسبوع لمدة سنة حتى يشفى تماماً بإذن الله..
- وفكرت أُم أحمد بهذه المشكلة كيف يأتي للعلاج مرّتين في الأسبوع وهم يسكنون في الطابق الثالث وليس من أهلها من يسكن قريب عنها.. وقالت مع نفسها:
- الله كبير وهو مسؤول عنا يدبر أمورنا ويحل مشاكلنا.. إلهي وكلت أمري إليك.. (... أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) (غافر/ 44).
- وفي اليوم التالي كان الحاج عبدالله مشغولاً في تصليح قفل داره لاحظ الأستاذ صادق يتكىء على أحمد من جانب وعلى أُم أحمد من جانب آخر.. ولا يستطيع أن يمشي بالشكل الصحيح.. ذهب سريعاً إليهم وقال بشيء من اللوم والعتاب:
- لماذا لم ترسلوا علي.. ألست أخا للأستاذ صادق..
- نحن نعتذر كثيراً يا عم الحاج من كثرة ما نتعبك معنا..
- استغفر الله.. يا ولدي.. ألم يوصي الله تعالى نبينا الكريم محمّد صلى الله عليه و سلم بالجار..
ثمّ تابع كلامه قائلاً:
- اذهبي أنت يا حاجة.. وأنا أساعد ولدك أحمد.. تشكرت منه أُم أحمد وذهبت جانباً.. وقد اتكأ الأستاذ صادق على كتف الحاج عبدالله بعد أن تشكر منه وابنه..
قال الحاج عبدالله:
- أعتقد انّه من الصعب كثيراً أن يذهب الأستاذ صادق كل أسبوع مرّتين للعلاج الطبيعي وهو في الطابق الثالث.. فإن صعود ونزوله يؤثر على علاجه ويؤخره..
ثمّ سكت قليلاً وتابع قوله كأن فكره خطرت في باله:
- أقترح عليك شيئاً.
- تفضل يا حاج.. ماذا تفكر؟
وبشكل جدي وصريح قال:
- نبدل شقتنا معكم لمدة سنة.. أنتم تسكنون شقتنا في الطابق الأوّل وأنا وعائلتي نسكن شقتكم في الطابق الثالث.. سأخبر زوجتي بذلك..
وبتعجب مليء بالفرح والراحة قالت أُم أحمد..
- لمدة سنة واحدة.. لا أصدق..
قال مبتسماً:
- ما فائدة الجار إذاً.. كلنا عائلة واحدة في هذه العمارة..
- سنفكر هذا اليوم ونعطيك جواباً في الغد إن شاءالله.. وأرجو أن تخبر عائلتك بذلك.. هم يرضون بهذا الإقتراح.. أرجو أن لا تضغط عليهم..
وبعد نقاش دام أكثر من ساعتين بين الأستاذ صادق وأُم أحمد وقد طار أحمد من الفرح قائلاً..
- أنا افتخر بجار كالحاج عبدالله.. يجب أن لا نفرط بهم.. لقد ساعدونا كثيراً منذ دخولنا إلى هذه العمارة.. ولا نعرف كيف نجازيهم على حسن أخلاقهم ومعاملاتهم.. نحن نعبر عن كامل شكرنا وتقديرنا لهذا الإنسان الرائع وبمواقفه الشريفة.. وكذلك نشكر عائلته وأولاده الذي تقبلوا ذلك..
- وبعد أسبوع انشغل الجيران بحمل الأثاث وتبادل الشقق ولما علم أهل العمارة بموقف الحاج عبدالله وتضحيته وإنسانية تجاه جاره الأستاذ صادق.. أكثروا من إحترامه وتكريمه.
لمزيد من التواصل مع موقع عالم المعرفة و التميز أضغط هنا و أنضم لصفحتنا على Facebook