|
|
استطاعت الرياح بقوتها وضراوتها أن توقف إندفاعه.. نجحت في ترويضه وكبت غضبه.. راح يحضن أوراقه بقوة كي لا تخطفها الريح العاصفة منه.. كان يدرك تماماً أنّه لا يستطيع الخروج في مثل هذا الطقس.. تراجع بخطوات واهية إلى الوراء.. دخل المبنى بإنكسار.. أسند ظهره إلى الجدار الرخامي لمدخل العمارة واستسلم للواقع.. أخذت أنفاسه الملتهبة في صدره، الذي راح يصعد ويهبط بحركات سريعة، تهدأ وتسكن.. ضربات قلبه الصارخة راحت هي الأخرى في التراجع والعودة إلى الحالة الطبيعية التي كانت عليها قبل نصف ساعة.. نظر إلى الأوراق الكثيرة التي كانت بين يديه.. ابتسم لها وقال: "أخبرتك أنّه لن يقبل بك.. عنوانك وما يحتوي عليه يثير جنونه.. وجنون الآخرين..".
سكت.. وجّه نظرته الحالمة نحو الأشجار، التي راحت الريح تضربها محاولة اقتلاعها من جذورها.. أو العبث مع أوراقها التي كانت تتشبث بغصون الأشجار التي تسكنها.. ابتسم مرّة أخرى وقال: "إياك أن تضعفي.. لستِ مثلنا.. قاومي.. انتفضي.. ولكن لا تكوني مثلنا".
أطبق شفتيه فجأة وانتزع نفسه بقوة دفعته إلى الخروج واختراق الرياح التي كانت تحول بينه وبينها.. عشر ثوان كانت تفصله عنها.. وصل إليها.. مد لها يده.. انتشلها من وسط الشارع.. وسار معها نحو الرصيف..
قالت له بخجل: "شكراً.. لقد أوقعتني الرياح".
ابتسم وقال: "كنت أخشى أن تصل إليك إحدى السيارات قبلي.. و".
أخذ ينظر إلى يديه.. تذكر أوراقه.. التفت إلى الوراء ولكنه لم يجد شيئاً.. أخذ يفكر بعمق وراح يسأل نفسه بصوت عال: "أين الأوراق؟".
رفعت ريم يدها إلى الأعلى وقالت: "هناك.. أنت ألقيت بها.. تخليت عنها لتصل إليَّ.. اعتقدت أنها كانت تعوقك".
رفع بصره نحو الأعلى.. أوراقه كلها كانت تُحلق كالطيور.. نظر إليها وهي تتقلب في الهواء.. استقر بعضها على بعض الشرفات التي كانت ترتطم بها أثناء تحليقها.. قليل منها وجد في الأشجار سكناً مؤقتاً.. أمّا البقية الباقية فظلت سابحة في الهواء.. تبحث عن ميناء مناسب لترسو فيه.. أسدل عينيه محاولاً استجماع قواه.. سألته ريم التي احتلها شعور قوي بالذنب: "هل هي أوراق مهمة؟".
"إنها الرواية التي حدثتك عنها".
تغيّرت قسمات وجهها مرّة واحدة.. واختفت إبتسامتها بسرعة تكاد تفوق سرعة البرق.. وقالت بصوت حزين: "رواية الوطن.. إنها تحتوي على ألفي صفحة". تذكرت فجأة ما قاله لها بالأمس عن نيته نشرها.. تغير صوتها وقد اكتسى بعضاً من نور الأمل المنبعث من أمنية كانت تتمناها لتُخرج نفسها من هذا الموقف المُحرج.. سألته: "قلت لي بالأمس إنك ستقوم بنشرها هل...".
أطبق على شفتيها الرقيقتين بإصبعيه السبابة والوسطى.. وقال: "انسي أمر هذه الرواية.. لأنني أعلم مسبقاً أنها لن تنشر".
أجبرتها كلماته على تَتَبُّع أوراقه التي راحت تخترق الأفق بحرِّية.. وسألت بيأس: "ماذا تعني؟".
"قبل أقل من ساعة اتصلت بمديري في دار النشر.. عليّ أن أغير رأيه.. لكنه رفض.. رفض حتى إكمالها..".
"لماذا؟"
"لأنني رفضت طمس الحقيقة التي نعيشها".
تنهدت وقالت بصوت لا يخلو من الندم: "لو لم تحاول نجدتي.. لاحتفظت بها".
"لو فقدتك لفقدت الأمل في الحياة.. ,أنا لست مستعداً لفقد وطن آخر..".
شعرت بالسعادة حين نطق فمه بهذه الكلمات.. فما كان منها إلى أن قالت: "هل تحتفظ بنسخة منها".
"لا". قالت بتعجب: "ولا حتى في الكمبيوتر".
ابتسم وقال: "أنا كتبتها بخط يدي.. وكنت عازماً على رميها في البحر".
سكت برهة وقال محاولاً إخراجها من وحل الندم الذي ألقت نفسها فيه:
"لا تحزني.. فعزائي الوحيد أنّه بعد إنتهاء العاصفة.. سيقوم الناس بإلتقاطها.. إن لم يكن لإزالتها وتنظيف الشوارع والشرفات، فحتماً لقراءتها.. لا تنسي أننا شعب يقتلنا الفضول كثيراً..".
اشتدت الرياح أكثر من ذي قبل.. ما جعل ريم تودعه قائلة: "وداعاً أراك في المساء.. وسنكمل حديثنا عن الرواية".
أخذ يراقبها وهي تلج باب عمارتها التي كانت تجاور عمارته.. اتجه بدوره نحو بوابة عمارته.. لاحظ ورقة من أوراقه التي علق جزءٌ منها تحت البوابة.. شاهدها وهي تتراقص بفعل الرياح.. كانت تحاول الهروب من هذا الاحتجاز.. تنتفض كسمكة تحاول البقاء خارج موطنها.. التقطها فإذا بها أولى الصفحات.. كان قد كتب عليها عنوان الرواية الذي كان بخط عريض.. واسمه الذي استقر أسفل الصفحة بخط صغير..
وطن.. وطن.. راح يكرر اسمها بصوت عالٍ.. طوى الورقة بطريقة مرتبة ودسها في جيبه وابتسم.. بينما راحت الرياح تشتد وتشتد.
أطبق شفتيه فجأة وانتزع نفسه بقوة دفعته إلى الخروج واختراق الرياح التي كانت تحول بينه وبينها.. عشر ثوان كانت تفصله عنها.. وصل إليها.. مد لها يده.. انتشلها من وسط الشارع.. وسار معها نحو الرصيف..
قالت له بخجل: "شكراً.. لقد أوقعتني الرياح".
ابتسم وقال: "كنت أخشى أن تصل إليك إحدى السيارات قبلي.. و".
أخذ ينظر إلى يديه.. تذكر أوراقه.. التفت إلى الوراء ولكنه لم يجد شيئاً.. أخذ يفكر بعمق وراح يسأل نفسه بصوت عال: "أين الأوراق؟".
رفعت ريم يدها إلى الأعلى وقالت: "هناك.. أنت ألقيت بها.. تخليت عنها لتصل إليَّ.. اعتقدت أنها كانت تعوقك".
رفع بصره نحو الأعلى.. أوراقه كلها كانت تُحلق كالطيور.. نظر إليها وهي تتقلب في الهواء.. استقر بعضها على بعض الشرفات التي كانت ترتطم بها أثناء تحليقها.. قليل منها وجد في الأشجار سكناً مؤقتاً.. أمّا البقية الباقية فظلت سابحة في الهواء.. تبحث عن ميناء مناسب لترسو فيه.. أسدل عينيه محاولاً استجماع قواه.. سألته ريم التي احتلها شعور قوي بالذنب: "هل هي أوراق مهمة؟".
"إنها الرواية التي حدثتك عنها".
تغيّرت قسمات وجهها مرّة واحدة.. واختفت إبتسامتها بسرعة تكاد تفوق سرعة البرق.. وقالت بصوت حزين: "رواية الوطن.. إنها تحتوي على ألفي صفحة". تذكرت فجأة ما قاله لها بالأمس عن نيته نشرها.. تغير صوتها وقد اكتسى بعضاً من نور الأمل المنبعث من أمنية كانت تتمناها لتُخرج نفسها من هذا الموقف المُحرج.. سألته: "قلت لي بالأمس إنك ستقوم بنشرها هل...".
أطبق على شفتيها الرقيقتين بإصبعيه السبابة والوسطى.. وقال: "انسي أمر هذه الرواية.. لأنني أعلم مسبقاً أنها لن تنشر".
أجبرتها كلماته على تَتَبُّع أوراقه التي راحت تخترق الأفق بحرِّية.. وسألت بيأس: "ماذا تعني؟".
"قبل أقل من ساعة اتصلت بمديري في دار النشر.. عليّ أن أغير رأيه.. لكنه رفض.. رفض حتى إكمالها..".
"لماذا؟"
"لأنني رفضت طمس الحقيقة التي نعيشها".
تنهدت وقالت بصوت لا يخلو من الندم: "لو لم تحاول نجدتي.. لاحتفظت بها".
"لو فقدتك لفقدت الأمل في الحياة.. ,أنا لست مستعداً لفقد وطن آخر..".
شعرت بالسعادة حين نطق فمه بهذه الكلمات.. فما كان منها إلى أن قالت: "هل تحتفظ بنسخة منها".
"لا". قالت بتعجب: "ولا حتى في الكمبيوتر".
ابتسم وقال: "أنا كتبتها بخط يدي.. وكنت عازماً على رميها في البحر".
سكت برهة وقال محاولاً إخراجها من وحل الندم الذي ألقت نفسها فيه:
"لا تحزني.. فعزائي الوحيد أنّه بعد إنتهاء العاصفة.. سيقوم الناس بإلتقاطها.. إن لم يكن لإزالتها وتنظيف الشوارع والشرفات، فحتماً لقراءتها.. لا تنسي أننا شعب يقتلنا الفضول كثيراً..".
اشتدت الرياح أكثر من ذي قبل.. ما جعل ريم تودعه قائلة: "وداعاً أراك في المساء.. وسنكمل حديثنا عن الرواية".
أخذ يراقبها وهي تلج باب عمارتها التي كانت تجاور عمارته.. اتجه بدوره نحو بوابة عمارته.. لاحظ ورقة من أوراقه التي علق جزءٌ منها تحت البوابة.. شاهدها وهي تتراقص بفعل الرياح.. كانت تحاول الهروب من هذا الاحتجاز.. تنتفض كسمكة تحاول البقاء خارج موطنها.. التقطها فإذا بها أولى الصفحات.. كان قد كتب عليها عنوان الرواية الذي كان بخط عريض.. واسمه الذي استقر أسفل الصفحة بخط صغير..
وطن.. وطن.. راح يكرر اسمها بصوت عالٍ.. طوى الورقة بطريقة مرتبة ودسها في جيبه وابتسم.. بينما راحت الرياح تشتد وتشتد.
|
|