رسالة لشاب.. هل أنت بارٌّ بوالديك؟


ما قَرَنَ الله تعالى بعبادته وحده شيئاً سوى الإحسان إلى الوالدين، وما عطف شكر أحد على شكره تعالى سوى شكر الوالدين:
قال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) (النساء/ 36).
وقال تعالى: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (لقمان/ 14).
وليس بعد ذلك الشرف العظيم، والحكم الإلهي الحكيم تفصيل لمتكلِّم، ولا زيادة لمستزيد...
إنّها وصية الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا) (العنكبوت/ 8).
وإنّها وصية نبيّه (ص)، فقد قال:
"ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ (ثلاثاً)، قال: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور.. وشهادة الزور".
1- لا تنسَ أُمّك:
لا تنسَ أُمّك..! هل قبَّلتَ يدها اليوم؟ هل أسندت رأسك على صدرها؟ هل أسمعتَها كلمة حبّ وحنان...؟
جرِّب هذا.. وتذوق طعم السعادة التي تملأ قلبك.
جرِّب هذا.. وتذوق حلاوة رضا الله؛ فرضا الله في رضا الوالدين.
كلّما دخلتَ على والدتك ناولها ما تيسر من النقود، أو هدية من حين لآخر، أو قبلة على رأسها إنّ لم يتيسّر لك ذلك..
احمدِ الله أن أبقى لك والديك تبرهما وتحسن إليهما...
يروى أنّ رجلاً سمع أعرابيّاً حاملاً أُمّه في الطواف حول الكعبة وهو يقول:
فإني لها مطيَّةٌ لا أدعرُ **** إذا الركابُ نفرتْ لا أنفرُ
ما حملتْ وأرضعتني أكثرُ **** الله ربي ذو الجلالِ أكبرُ
ثمّ التفت إلى ابن عباس وقال: أتراني قضيت حقها؟.
قال: لا.. ولا طلقة من طلقاتها، ولكنّك أحسنت، والله يثيبك على القليل كثيراً. إن دعتك والدتك لتذهب بها إلى مكان؛ فلا تصرخ في وجهها وتقول: عليَّ واجبات ودراسة..
خير لك أن تذهب معها من أن تدعها تذهب مع السائق في السيارة، ولا تنسَ قول الله تعالى: (فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا) (الإسراء/ 23).
2- ولا تنسَ أباك:
لا تنظر إلى أبيك نظرة شذر عند الغضب.
ولا تستحيِ أن تمشي إلى جانب أبيك الفقير أو الضعيف!!.
قم بالإنفاق عليهما إن كانا بحاجة إلى مالك، ولا تدعهما يسألان الناس.. وتذكّر كيف أن عقوق الوالدين قد ألجم اللسان عند الموت فلم يستطيع أن ينطق بالشهادتين...
فقد ذكر أبو الليث السمرقندي عن أنس (رضي الله عنه):
أنّ شاباً كان على عهد رسول الله (ص) يسمى (علقمة)، مرض واشتد مرضه.
فقيل: له: قل: لا إله إلا الله، فلم ينطق لسانه..
فأخبر بذلك النبي (ص)، فقال: "هل له أبوان؟".
فقيل: أما أبوه فقد مات، وله أُم كبيرة.. فأرسل إليها، فجاءت، فسألها عن حاله.
فقالت: يا رسول الله كان يصلي كذا وكذا، وكان يصوم كذا وكذا، وكان يتصدق بجملة دراهم ما ندري ما وزنها وما عددها..؟
قال: "فما حالُك وحالُه".
قالت: يا رسول الله أنا عليه ساخطة واجدة.
قال لها: "ولِمَ ذلك؟".
قالت: كان يؤثر عليَّ امرأته ويطيعها في الأشياء.
فقال رسول الله (ص): "سُخْطُ أُمّه حجبَ لسانه عن شهادة أن لا إله إلا الله".
ثمّ قال: "يا بلال انطلق واجمع حطباً كثيراً حتى أحرقه بالنار".
فقالت: يا رسول الله! ابني وثمرة فؤادي تحرقه بالنار بين يدي..؟! وكيف يحتمل قلبي ذلك..؟!
فقال رسول الله (ص): "يسرُّك أن يغفر الله له فارضي عنه! فوالذي نفسي بيده لا ينتفع بصلاته ولا بصدقته.. ما دمتِ ساخطة".
فرفعت يدها وقالت: أُشهد الله تعالى في سمائه، وأنت يا رسول الله ومن حضر أني قد رضيتُ عنه.
فقال رسول الله (ص): "يا بلال، انطلق فانظر هل يستطيع علقمة أن يقول: (لا إله إلا الله)، فلعلّ أُمّه قد تكلمت بما ليس في قلبها حياء من رسول الله".
فانطلق بلال، فلمّا انتهى إلى الباب سمعه يقول: لا إله إلا الله. ومات من يومه وغسِّل وكفِّن، وصلَّى عليه النبي (ص).
وجاء شاب يشكو أباه إلى رسول الله (ص) ويقول: يا رسول الله إن أبي يأخذ من مالي دون إذني.
فأرسل النبي (ص) في طلب الوالد..
وحضر الوالد، ولكنّه وهو في طريقه إلى رسول الله (ص) فاضت قريحته بأبيات من الشعر أبكتْ رسول الله (ص) حين سمعها:
غَذَوتُكَ مولوداً ومنتك يافعاً **** تعلُّ بما أجني عليك وتنهلُ
إذا ليلة بالسُّقم نابتْك لم أبتْ **** لسقمك إلا ساهراً أتململُ
كأني أنا المطروقُ دونك بالذي **** طرقتَ به دوني فعيني تمهلُ
تخافُ الردى نفسي عليك وإنّها **** لتعلم أنّ الموتَ وقتٌ مؤجلُ
فلما بلغتَ السنّ والغايةَ التي **** إليها مدى ما كنتُ فيها أؤملُ
جعلتَ جزائي غلظةً وفظاظةً **** كأنّك أنتَ المنعمُ المتفضِّلُ
فليتكَ إذْ لم ترعَ حقّ أبوّتي **** فعلتَ كما الجارُ المجاورُ يفعلُ
يقول الآلوسي في تفسيره متابعاً قول راوي الحديث: فحينئذٍ أخذ النبي (ص) بتلابيب ابنه وقال: "أنت ومالك لأبيك".
3- وصايا سريعة:
خاطب والديك بلطف وأدب..
انهض لهما إذا دخلا عليك.. وقبِّل يديهما..
لا ترفع صوتك عالياً بحضرتهما..
لا تقاطعهما أثناء الكلام، ولا تعاندهما، أو تسخر منهما..
احترم وجودهما في الغرفة، ولا تمد رجليك أمامهما، أو تضطجع وهما جالسان إلا إذا أذنا بذلك..
حافظ على سمعتهما وشرفهما ومالهما..
لا تفضِّل زوجتك عليهما..
وأكرم أصحابهما في حياتهما وبعد مماتهما.
ولا تصاحب إنساناً غير بارّ بوالديه.
لا تتردّد أبداً في تلبية طلبهما في شراء بعض اللوازم أو قضاء بعض الحاجيات.
تذكّر كيف كان أحدهما يرعاك وأنت صغير؛ كيف كان يلبي طلباتك ويسهر عليك!!.
أدخل السرور إلى قلبيهما بالإكثار من برِّهما، وتقديم الهدايا لهما، وبكلِّ ما يحبّان.. لا تؤذهما ولو بكلمة واحدة، ولا تتأفف من قولهما أو فعلهما.
المصدر: كتاب همسة في أذُنِ شابٍّ
لمزيد من التواصل مع موقع عالم المعرفة و التميز أضغط هنا و أنضم لصفحتنا على Facebook