|
|
على غفلة من عينك ومن دون إشارات مسبقة، تكتشف أن ابنك المراهق، الذي لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره. مغرم.
يحب رفيقته في المدرسة أو ابنة الجيران حباً يُقحمه في مرحلة دقيقة ومتوقعة عند المراهقين، ويقحمك في مشكلة البحث عن حلول لظرفه الطارئ، للخروج بأقل ضرر ممكن. كيف تتصرف مع ولدك المراهق، حين يختبر الحياة العاطفية لأوّل مرّة؟
لا تدري مجيدة (إعلامية) من أين تبدأ، تُخبر والقلق يتسع في مقلتيها: "اكتشفت أن ولدي الوحيد الذي لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره، مغرم".
متوترة ومرتبكة تكلم نفسها وكأنها تهذي: "وجدت في كتبه المدرسية رسائل حب، كلماتها وقحة وجريئة ولا تخلو من الإيحاءات الجنسية. وضبطته وهو يدردش أكثر من مرّة مع رفيقته عبر الإنترنيت، في أوقات متأخرة من الليل".
يحب رفيقته في المدرسة أو ابنة الجيران حباً يُقحمه في مرحلة دقيقة ومتوقعة عند المراهقين، ويقحمك في مشكلة البحث عن حلول لظرفه الطارئ، للخروج بأقل ضرر ممكن. كيف تتصرف مع ولدك المراهق، حين يختبر الحياة العاطفية لأوّل مرّة؟
لا تدري مجيدة (إعلامية) من أين تبدأ، تُخبر والقلق يتسع في مقلتيها: "اكتشفت أن ولدي الوحيد الذي لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره، مغرم".
متوترة ومرتبكة تكلم نفسها وكأنها تهذي: "وجدت في كتبه المدرسية رسائل حب، كلماتها وقحة وجريئة ولا تخلو من الإيحاءات الجنسية. وضبطته وهو يدردش أكثر من مرّة مع رفيقته عبر الإنترنيت، في أوقات متأخرة من الليل".
توشك مجيدة على أن تنطق بأمر يزعجها، إلاّ أنها تُغيّر رأيها تقول ببرود: "أخجل من إطلاعكم على العبارات الرخيصة التي قرأتها".
"ماذا أفعل؟" تسأل مجيدة، بعدما خذلتها الإجابة التي حاولت أن تقنع نفسها بها: "أردت أن أتجاهل المسألة، أي أفهمه أنّه حرٌّ في ما يفعله، وأنني ووالده نؤيد تجربته الأولى، ولكنه فهم مسايرتنا له تشجيعاً، فتحولت تصرفاته الخجول إلى وقاحة وعناد وإستخفاف بأي نصيحة تصدر عنا".
انفلات زمام الأمور من يد مجيدة وزوجها، أربكها، بحسب إعترافها، وجعلها تدور حول نفسها من دون أن تجد مَخرجاً: "لذا لجأت إلى طبيب نفسي متخصص في معالجة الإضطرابات النفسية عند الصغار، فنصحني بأن أتركه يتصرّف على مزاجه، شرط أن أراقبه من بعيد، حتى لو اضطررت إلى ملاحقته كظله في كل مكان".
تلفتُ مجيدة إلى أنّها تقوم بعملية مطاردة ابنها، منذ أكثر من شهرين: "بدأت أفقد أعصابي وأكاد أجن، ولا أعرف إلى ما تؤول إليه هذه الحكاية.. أرجو أن ينتهي الموضوع على خير".
يبدو أن حال محمود من حال مجيدة، مع فارق بسيط، وهو أنّه استسلم لمراهقة ابنه وتكيّف مع الوضع.
يسرد قصته مع كثير من التوتر: "يبلغ ابني السادسة عشرة من العمر، وهو مجنون بحب ابنة الجيران، التي تكبره بعام واحد، وأنا سئمت من محاولة إقناعه بنسيانها".
يأسف محمود، على إعتماده أسلوب الشدة مع ولده، ويدّعي أنّه مضطر إلى فعل ذلك، لافتاً: "تصرفاته العشوائية ورعونته وراء شدتي هذه. لقد ضبطته في إحدى المرّات وهو يقبلها على درج البناية، فأطلعني أنه مستعد للهروب معها، لأنّه لا يستطيع العيش من دونها. أفهمته أنه مازال صغيراً جاهلاً الحب الحقيقي، وأنّه يجب أن ينضج جيِّداً لكي يخطو مثل هذه الخطوة، أو على الأقل بعد أن يبدأ حياته العملية، ويصبح قادراً على الإستقلال بذاته وتأسيس أسرة، ولكن ذلك كلّه لم ينفع معه".
ولأن محمود يشكك في قدرته على إقناع ابنه بإنهاء العلاقة، استسلم تماماً، وشكا حبيبة ابنه إلى والدها، أي جاره، يحكي: "لم يردعهما تدخل الأُسرتين، لأنني اكتشفت مؤخراً أن علاقتهما مستمرة في الخفاء".
- تغيُّر:
"لديَّ ثلاثة أولاد، اثنان منهم في سن المراهقة، وحالياً هما في مرحلة التمرد، لأنهما يختبران الحب للمرّة الأولى".
هذه الحقيقة التي تبوح بها هنيدة التميمي (محاسبة)، لا تُقلقها، بل تُفرحها على حد قولها، تتابع: "أنا سعيدة بالإختبار الذي يعيشانه، صحيح أنهما لم يخبراني بشيء، ولكن تصرفاتهما تكشف الأمر، شغفهما بالمرآة، واهتمامهما بمظهرهما بصورة عامة، وحماستهما للخروج، أو قضاء وقت طويل في الدردشة على الإنترنيت، تفاصيل مهمة تجعل الأهل ينتبهون إلى التغيُّر الحاصل لأبنائهم".
* كيف تتصرفين حيال هذا التغيُّر؟
- بحكمة ودراية لمشاعرهما. أتفهم جيِّداً ما يمران به، فهو أمر طبيعي ويمر به جميع المراهقين. المهم أنني على دراية تامة بكل تحركاتهما، حيث ألعب دور المحقق في الخفاء، أراقب من بعيد وأشاركهما الحالة كما هي، من دون أن أفرض الشدة أو الممنوع".
إنما ذلك لا يمنع هنيدة، بحسب تصريحها: "أن أتدخل أنا أو والدهما عند اللزوم، حين نرى أنّ المسألة انحرفت عن مسارها الطبيعي أو المستقيم. عندها لكل حادث حديث".
كبير أولاد ميساء محمد الستة، في سن المراهقة. تصرح بأنّه لم يُخبرها بذلك: "إنما مثلما ذكرت هنيدة، يستطيع الأهل أن يفهموا التغيُّر الحاصل مع أبنائهم".
وميساء فرحة أيضاً بابنها كثيراً، حيث تحرص على مساندته في هذه المرحلة: "نتناقش في الموضوع، أتركه يسألني بحرِّية عن كل شيء، وحتى عن الأمور الجنسية، من ثمّ أعطيه النصائح الضرورية.
* هل توافقين له أن يقيم علاقة عاطفية في هذه السن؟
- "بالتأكيد لا أوافق أن يقيم علاقات عاطفية أو جنسية. فنحن أسرة محافظة، وملتزمون دينياً ونخاف الله. الموضوع ليس سهلاً كما يظنه البعض، هو عميق ودقيق، ومن شأنه أن يوطد العلاقة بين الأهل والمراهق أو يدمرها".
- ولتتحاشى ميساء الإحتمال الأخير، تشرح كيف تخطط شخصياً للخروج من دون ضرر يؤثر في ابنها وأسرتها: "أنا منكبة دوماً على تقديم المساندة المعنوية والمادية، يعني أنني أطمئنه بوجودي بقربه، أساير تفكيره وأعطيه وقتي وإهتمامي ورعايتي".
في المقابل، تحرص ميساء على أن تُندِّي تفكير ابنها بزخات قليلة من العقلانية، تبوح: "أحاول أن أقنعه من دون أن يشعر، بأنّه مازال صغيراً على الحب والجنس، وبأنّ الطريق أمامه طويل، وعليه أن يعبِّده بالدراسة، ليفتح المستقبل المشرق الأبواب له، أرجو أن يهديه الله".
- جيل غريب:
يرمي أحمد حيدر (مقاول) حمل أولاده الخمسة على زوجته، ويقول بصراحة: "زوجتي هي من تراقبهم عن كثب، خصوصاً أنّ البنت الكبيرة على وشك دخول مرحلة سن المراهقة".
حجة أحمد أنّ الأُم هي الأقرب إلى أولادها، "البنات بالتحديد". ويَعتبر أنها "تفهم الأولاد جيِّداً وتتعامل معهم كصديقة لا كأُم، ما يريحني جدّاً".
يبتسم أحمد ساخراً وهو يخبر: "إبن صاحبي الذي لم يتجاوز السابعة من عمره، يقول إنّه، ولإغاظة حبيبة قلبه، جعلها تشك في أنّه يحب صديقتها، وهو أمر لا يصدق إلا مع هذا الجيل".
هذه الحكاية جعلت أحمد يستعد للتدخل، عندما يكبر أولاده الذكور، واضعاً مخططاً في رأسه مفاده: "سوف أحاول أن أكسب ثقة الشباب، لأصل بهم إلى الهدف المرجو، أي أن أقنعهم بأنّهم مازالوا صغاراً على الحب وقصصه، آخذاً بعين الإعتبار مشاعرهم التي تكون في هذه المرحلة مرهفة جدّاً".
يتوقع أحمد أن يخرج المراهق، "كل مراهق من تجربة تعلّمه الكثير"، ففي رأيه: "غالباً ما يقضي المراهق هذه الفترة، مفكراً وشارداً في حبه، ثمّ لا يلبث أن يتجاوز الأمر، وفي جعبته درس مهم يتسلح به لأيّام النضوج الآتية".
لا تختلف إعتبارات سامية شهاب (موظفة في وزارة الصحة) وهي أُم لثلاثة مراهقين، عن إعتبارات أحمد، حين تتملق الجيل الحالي بسخرية: "نجانا الله من هذا الجيلز يعتبر نفسه أنّه الصح دائماً وأننا المخطئون".
ترفض سامية بإصرار إستعمال الشدة مع أولادها، ففي إعتقادها: "أسلوب الأهل الرافض مشاعر المراهقين، غالباً ما يصل بهم إلى الإنحراف الكامل. أفضل التعامل معهم بصراحة وعلى المكشوف، لنتوصل معاً إلى نقاط تفاهم مشتركة ترضينا جميعاً، ولابدّ من أن يقتنع المراهق بطريقة أو بأخرى، بأنّه مازال صغيراً على قصص الحب، وبأنّ الدراسة والعمل هما بداية مشواره في الحياة".
عندما تعرف سامية أن ابنها المراهق مغرم بإحدى الفتيات، تلمح: "أجلس معه لأناقشه في الموضوع، وأكشف له الأمور التي يجهلها في العلاقات التي تحصل في عمره، وأبيّن له قدر الإمكان النتيجة التي عليه أن يتوقعها، ولأقنعه ألجأ إلى أمثلة عشتها أو سمعت عنها".
لن تتردد سامية في إحضار حبيبة ابنها إلى البيت. "لو هو أراد أن يعرّفني إليها. هكذا أضمن أنّه لن يلتقيها في مكان آخر. إذ يصعب عليّ مراقبته. ثمّ إنّ هذه الطريقة ستعزز ثقته بي، وتُشعره بأنني إلى جانبه أدعم تجربته وأتفهمه".
يرد جمال سليمان (مدير مكتب): "كل شيء معقول مع هذا الجيل، هو يختلف عن جيلنا وجيل آبائنا وأجدادنا، ولا نعرف عن الجيل الذي سوف يأتي مستقبلاً".
ومسألة الجيل تحتاج من وجهة نظر جمال: "مواكبة فكرية من طرف الأهل، تكون عصرية ومتنبهة لمتطلبات المراهقين الآنية وطموحاتهم المستقبلية، لكيلا يتوه الطرفان عن بعضهما".
أمّا إذا تجاوز المراهق الحدود الطبيعية للمرحلة التي يعيشها، فيرى جمال في ذلك: "عيباً من الأهل أنفسهم، ومن تربيتهم، لكونهم لم يقدّروا العواقب قبل وقوعها. كان عليهم أن يتفاهموا مع ولدهم المراهق، إلى أن يصلوا معه إلى نقطة مشتركة بينه وبينهم، فيرتاح ويريحهم من مفاجآت غير مستحبة".
- إستعداد:
لم يستعد علي زنجي، مثل غيره، لمواجهة مراهقة ولديه، يقول: لا يزالان صغيرين، وعندي وقت طويل لأحضّر نفسي لهذه المواجهة، إضافة إلى أنني لا أعرف كيف سيكون الزمن عندها، وما الأسلوب الأنجح للتعامل مع جيلهما".
إذا كان عليّ يَعتبر نفسه غير متورط في موضوع المراهقة، فذلك لا يعني أنّه لا يقرأ عن التربية من هنا وهناك، وذلك بحسب تأكيده، ويضيف: "قد أكون مقلاً في قراءاتي عن المراهقة وأساليب التعامل معها، وأشعر بأنني سأرتبك في تحاشي مشكلات ولديّ مستقبلاً، إلاّ أنني على يقين من أمر واحد، وهو أنني سأترك لهما الحرِّية في كل شيء، طالما أنهما لا يؤذيان نفسيهما أو الآخرين". ويلاحظ علي أن طرق التعامل مع الأولاد المراهقين، "تتفاوت من عائلة إلى أُخرى"، يفسر: "تختلف التربية المعتمدة عند كل عائلة، بحسب الأسس والمبادئ الإجتماعية والثقافية والإقتصادية، فهنالك أهل يرفضون أن يتحدثوا مع ابنهم في الأمور العاطفية والجنسية. وفئة أخرى من الأهل، يتمحور تفكيرهم حول الأمور المادية، فيهملون مسألة التربية أو يكلفون بها الخدم والمربين، إضافة إلى أن آخرين تُحتم ثقافتهم عليهم، أن ينجبوا الأولاد، لكي يعملوا ويساعدوهم في زيادة دخلهم المادي، من دون إكتراث لتربية أو تعليم، أو غير ذلك من المتطلبات الأساسية والمهمة، للتنشئة الصحيحة والسليمة".
من جهتها، تبوح صفا نجار بأنّها تخاف على ابنها المراهق، على الرغم من أنها لم تلحظ عليه أي بوادر لعلاقة عاطفية بعد: "أنا مستعدة دائماً لأواجه مراهقته في أي لحظة. يقول شعوري إنّه سيبدأ قريباً، فهو الآن في الرابعة عشرة من عمره، وفي هذه السن تبدأ حكايات العشق والهيام".
يشرد تفكير صفا، قبل أن تستأنف كلامها، وتضيف: "أخاف بشدة من أن يبدأ المرحلة، بالإصرار على السهر خارج البيت إلى ساعة متأخرة من الليل، وبعدها أن يتورط في علاقة عاطفية، تهز سلوكه وتشتت تركيزه أو تلهيه عن دروسه. وأكثر ما أخشاه أيضاً، هو أن يتعرف إلى أصدقاء سيئين فيعلموه الإنحراف، أو غير ذلك من الأمور المخيفة مثل التدخين والمخدرات".
تعود صفا إلى مسألة إستعدادها، وتحاول أن تطرد من رأسها الأفكار البشعة التي ذكرتها، تكمل: "حين يأتي ابني ويخبرني أنّه يحب فتاة، سوف أشجعه وأسانده، ليطمئن إليَّ ويصارحني بكل شاردة وواردة. وأرى أنها الطريقة الأمثل لكسب ثقته، لكيلا يلجأ إلى أحد غيري، غير خبير في هذه الأمور، فيؤثر فيه سلباً بنصائح غير صحيحة، أو في غير محلها".
"لطالما كنت مستعدة لهم ولمراهقتهم"، بعفوية مبالغ فيها تجيب سميرة درّاس، أُم لثلاثة أولاد.
الخروج والصداقة والغرام، أمور تتحدث عنها سميرة ببساطة، فقناعتها تُملي عليها مناقشتها بصراحة مع ألادها، من دون لف أو مواربة، تقرُّ: "صحيح أنني كنت أناقشهم في جميع هذه الموضوعات، وصحيح أنني لم أشك يوماً في أنني كنت المسيطرة عليها والمخططة لها، إلاّ أنني أعرف في قرارة نفسي، أنهم أخفوا عليَّ القليل من كل شيء، ولو في حدود المعقول".
تنظر سميرة إلى أسرار أولادها بتعاطف، وتعتقد أنّ "هذه خصوصيات من حقهم، ولا يمكننا أن ننتزعها منهم، المهم أن نربيهم بطريقة صحيحة، ونزرع الأخلاق الحميدة فيهم، بذلك نقدم لهم السلاح الأقوى، ليحاربوا به الأفخاخ المتربصة بهم في الحياة"ز
وإحترام أولادي والدهم، ساعدني كثيراً"، تتابع: "كانوا يخشون ردّ فعله، إذا أخطأوا في مكان ما. لذلك كانوا يتحاشون الوقوع في الخطأ"، تتذكر سميرة، حين كان يأتيها أحد أولادها ويخبرها عن علاقته بصديقته، فتبتسم للذكرى وتعلق: "كنت أتركه يعيش الدور وأساير مشاعره البريئة بحرص شديد، إلى أن يقتنع من تلقاء نفسه بأن علاقته لا تتعدى الصداقة، وبأنّه مازال طري العود، وأمامه تجارب كثيرة ليخوضها ويتجاوزها، إلى أن يكبر وينضج ويختار شريكة روحه الحقيقية".
- بين الطفولة والنضج:
على عكس الآخرين، تؤكد رفقة رشاد، أُم لستة أولاد: "لم أشعر بمراهقة أولادي، لقد كانوا عقلاء جدّاً، ربّما لأنني كنت أنا ووالدهم شديدين في التربية معهم".
تشير رفقة إلى أنها ليست متساهلة مثل الآخرين، في موضوع العلاقات العاطفية عند المراهقين، لأنها تراهم في "مرحلة عمرية خطيرة. الأولاد خلال هذه الفترة، يجهلون حقيقة الأمور ولا يحسبون نتائج أعمالهم، لكونهم في المرحلة الفاصلة بين الطفولة والنضج".
الإستنتاج هذا، دفع رفقة إلى إعتماد مبدأ المنع والرفض، لأي علاقة قد يفكر في إقامتها أحد أولادها، تصرح: "أفهمتهم أنّ الحب والغرام ممنوعان من قبل أن يبلغوا سن المراهقة، وأقنعتهم بأنهم حين يكبرون وينتهون من دراستهم، سوف يقومون بكل ما يرغبون فيه عن نضج وتعقُّل".
استندت رفقة إلى خبرتها في الحياة: "لأقنعهم بوجهة نظري، ويبدو أنّ الأمر نجح. وقطعوا المرحلة بأمان ولم يسببوا مشكلات لأنفسهم أو لنا".
كذلك تعترف سوزان سامي (أُم لأربعة أولاد): "أنا أيضاً لم أشعر بمراهقة أولادي، ربّما لأنني وزوجي متدينان أكثر من اللازم، ومتماسكان كأسرة بقوة، ساعدناهم على تجاوز المرحلة من دون أخطاء".
إنما سوزان وزوجها لم يعتمدا شعار الممنوع مع أولادهما، لأن نصيحتهما الدائمة كانت: "إقامة صداقة متينة مع الأولاد في جميع مراحل أعمارهم. كان أولادي يأتون بأصدقائهم من الجنسين إلى البيت، وكنت وزوجي نراقب كل ما يجري بينهم، من دون أن نشعرهم بأننا نتطفل عليهم، أو نقيد حرِّتهم".
بالأسلوب هذا تذكر سوزان، أو أولادها اعتادوا على الصراحة: "لا أسرار مخفاة بيننا، ولا خجل من مناقشة أي موضوع، حتى لو كان عن الجنس". لذلك تؤمن سوزان بأن "الإشراف المباشر والواضح للأهل على أولادهم المراهقين، فيه منفعة للطرفين، ومن شأنه أن يؤدي إلى زرع الثقة المتبادلة والصريحة".
يأتي تعليق تامر إبراهيم (موظف بنك) بين المناهِض لفكرة المنع والرفض، التي يعتمدها الأهل مع أولادهم المراهقين، والمؤيد أسلوب النقاش والحوار معهم: "لم ننس أيام المراهقة، وكم كانت حاجتنا كبيرة وقتها إلى أهل متفهمين، ومقدِّرين مشاعرنا والتجارب العاطفية التي عشناها".
من الطبيعي في رأي تامر، أن يخوض المراهق "معركة إثبات نفسه في علاقة عاطفية، تطبع شخصيته بأحاسيس تتراوح بين الطفولة والنضوج، مثلما ذكرت رفقة".
في هذه المرحلة يدعو تامر الأهل إلى استيعاب مراهقيهم، وينصحهم: "جميل أن يقدم الأهل المساندة لإبنهم عند وقوعه في الغرام للمرة الأولى، عندها لن يشعر بأنّه مخذول أو متروك أو مرتبك. سيكون أقوى في مواجهة الموضوع، وأكثر قدرة على التحرر منه بأقل خسائر نفسية".
يعترف تامر: "أذكر جيِّداً علاقتي العاطفية الأولى، والدعم الجميل الذي قدمه لي والداي، لم تصل بي مراهقتي إلى الخطوط الحُمر، التي يخشاها الأهل دائماً، بفضل مراقبة أهلي تصرفاتي وتفهمهم العميق سلوكي حينها. اليوم، أنا أقدّر حكمتهم الغالية كثيراً".
* الدكتور محمد أبو العينين
- على الأهل مراقبة أولادهم:
يُحدد الدكتور محمد أبوالعينين، أستاذ علم الإجتماع، مرحلة المراهقة، في الفترة بين سن البلوغ وسن الرشد (18 عاماً). يوضح: "بالتأكيد تختلف سن البلوغ من شخص إلى آخر، وتتسم هذه المرحلة ببعض الإضطرابات في الشخصية، نتيجة التغيّرات البيولوجية والفيزيولوجية، التي تطرأ على المراهق ومنها على سبيل المثال، إفرازات الغدد والهرمونات. كما تتسم هذه المرحلة بمحاولة التعبير عن الذات، وإظهار ملامح الذكورة، مثل الشارب والعضلات، والصوت الغليظ الجهوري، أو ملامح الأنوثة كالإهتمام بالمظهر العام وشكل الجسد، والإتجاه نحو أدوات التجميل".
أمّا إذا اكتشف الأبوان أن ابنهما المراهق أو ابنتهما المراهقة، في حالة حب، فيدعوهما أبوالعينين، إلى "معالجة الموقف بحكمة وتأنِّ بالغين".
لأنّ الإندفاع نحو تأنيب المراهق بسبب مشاعره، أو حرمانه من التعبير عن هذه المشاعر، يؤدي في رأي الدكتور أبو العينين: "إلى عقد نفسية تصاحبه بقية مراحل حياته، ولكننا في الوقت عينه، لا ننصح بأن ينساق الأهل وراء عواطف الأبناء، فهم بعدُ في سن صغيرة، يندفعون نحو الجنس الآخر بدوافع غريزية وعاطفية هواء وغير عقلانية. وقد يكتشفون في مرحلة تالية من حياتهم، أنهم تسرعوا وهم مخطئون".
ينبه الدكتور أبو العينين إلى أن سن المراهقة هي "مرحلة دقيقة إلى درجة الخطورة"، لذا ينصح الآباء: "بأن يراقبوا أولادهم عن كثب، إلى أن يتجاوزوا هذه المرحلة بسلام، وبأقل قدر ممكن من المشكلات العاطفية والنفسية والجسدية".
فالمراهق، بحسب أبو العينين: "يشعر بأنّه يمتلك الأرض وما عليها. لكونه يستشعر قوة هائلة في داخله، ويميل إلى فرض شخصيته وآرائه ومزاجه على الآخرين، فيصطدم مع كل من المجتمع وقيوده وأهله ومحاذيرهم. كما يتباين إختلافه في التفكير والرأي عن غيره من هؤلاء، ما ينجم عنه صراع حاد بينه وبينهم، ويتعكر صفو العلاقات الإجتماعية من جهة والأسرية من أخرى، وينتهي الأمر يتحويل حياة الجميع إلى جحيم".
يحمل الدكتور أبو العينين كلامه الختامي، الكثير من التفاؤل وهو يعلن: "في الغالب، تمر مرحلة المراهقة بسلام. المهم أن نكون حذرين، ونتحاشى المواجهة العنيفة، أو إستخدام أساليب تربوية لا ترقى إلى مستوى التعامل مع المراهق. وقد يكون مستحباً، لو تم العمل على تفريغ الشحنة الجنسية والعاطفية عنده، في الرياضة وممارسة الهوايات".
"ماذا أفعل؟" تسأل مجيدة، بعدما خذلتها الإجابة التي حاولت أن تقنع نفسها بها: "أردت أن أتجاهل المسألة، أي أفهمه أنّه حرٌّ في ما يفعله، وأنني ووالده نؤيد تجربته الأولى، ولكنه فهم مسايرتنا له تشجيعاً، فتحولت تصرفاته الخجول إلى وقاحة وعناد وإستخفاف بأي نصيحة تصدر عنا".
انفلات زمام الأمور من يد مجيدة وزوجها، أربكها، بحسب إعترافها، وجعلها تدور حول نفسها من دون أن تجد مَخرجاً: "لذا لجأت إلى طبيب نفسي متخصص في معالجة الإضطرابات النفسية عند الصغار، فنصحني بأن أتركه يتصرّف على مزاجه، شرط أن أراقبه من بعيد، حتى لو اضطررت إلى ملاحقته كظله في كل مكان".
تلفتُ مجيدة إلى أنّها تقوم بعملية مطاردة ابنها، منذ أكثر من شهرين: "بدأت أفقد أعصابي وأكاد أجن، ولا أعرف إلى ما تؤول إليه هذه الحكاية.. أرجو أن ينتهي الموضوع على خير".
يبدو أن حال محمود من حال مجيدة، مع فارق بسيط، وهو أنّه استسلم لمراهقة ابنه وتكيّف مع الوضع.
يسرد قصته مع كثير من التوتر: "يبلغ ابني السادسة عشرة من العمر، وهو مجنون بحب ابنة الجيران، التي تكبره بعام واحد، وأنا سئمت من محاولة إقناعه بنسيانها".
يأسف محمود، على إعتماده أسلوب الشدة مع ولده، ويدّعي أنّه مضطر إلى فعل ذلك، لافتاً: "تصرفاته العشوائية ورعونته وراء شدتي هذه. لقد ضبطته في إحدى المرّات وهو يقبلها على درج البناية، فأطلعني أنه مستعد للهروب معها، لأنّه لا يستطيع العيش من دونها. أفهمته أنه مازال صغيراً جاهلاً الحب الحقيقي، وأنّه يجب أن ينضج جيِّداً لكي يخطو مثل هذه الخطوة، أو على الأقل بعد أن يبدأ حياته العملية، ويصبح قادراً على الإستقلال بذاته وتأسيس أسرة، ولكن ذلك كلّه لم ينفع معه".
ولأن محمود يشكك في قدرته على إقناع ابنه بإنهاء العلاقة، استسلم تماماً، وشكا حبيبة ابنه إلى والدها، أي جاره، يحكي: "لم يردعهما تدخل الأُسرتين، لأنني اكتشفت مؤخراً أن علاقتهما مستمرة في الخفاء".
- تغيُّر:
"لديَّ ثلاثة أولاد، اثنان منهم في سن المراهقة، وحالياً هما في مرحلة التمرد، لأنهما يختبران الحب للمرّة الأولى".
هذه الحقيقة التي تبوح بها هنيدة التميمي (محاسبة)، لا تُقلقها، بل تُفرحها على حد قولها، تتابع: "أنا سعيدة بالإختبار الذي يعيشانه، صحيح أنهما لم يخبراني بشيء، ولكن تصرفاتهما تكشف الأمر، شغفهما بالمرآة، واهتمامهما بمظهرهما بصورة عامة، وحماستهما للخروج، أو قضاء وقت طويل في الدردشة على الإنترنيت، تفاصيل مهمة تجعل الأهل ينتبهون إلى التغيُّر الحاصل لأبنائهم".
* كيف تتصرفين حيال هذا التغيُّر؟
- بحكمة ودراية لمشاعرهما. أتفهم جيِّداً ما يمران به، فهو أمر طبيعي ويمر به جميع المراهقين. المهم أنني على دراية تامة بكل تحركاتهما، حيث ألعب دور المحقق في الخفاء، أراقب من بعيد وأشاركهما الحالة كما هي، من دون أن أفرض الشدة أو الممنوع".
إنما ذلك لا يمنع هنيدة، بحسب تصريحها: "أن أتدخل أنا أو والدهما عند اللزوم، حين نرى أنّ المسألة انحرفت عن مسارها الطبيعي أو المستقيم. عندها لكل حادث حديث".
كبير أولاد ميساء محمد الستة، في سن المراهقة. تصرح بأنّه لم يُخبرها بذلك: "إنما مثلما ذكرت هنيدة، يستطيع الأهل أن يفهموا التغيُّر الحاصل مع أبنائهم".
وميساء فرحة أيضاً بابنها كثيراً، حيث تحرص على مساندته في هذه المرحلة: "نتناقش في الموضوع، أتركه يسألني بحرِّية عن كل شيء، وحتى عن الأمور الجنسية، من ثمّ أعطيه النصائح الضرورية.
* هل توافقين له أن يقيم علاقة عاطفية في هذه السن؟
- "بالتأكيد لا أوافق أن يقيم علاقات عاطفية أو جنسية. فنحن أسرة محافظة، وملتزمون دينياً ونخاف الله. الموضوع ليس سهلاً كما يظنه البعض، هو عميق ودقيق، ومن شأنه أن يوطد العلاقة بين الأهل والمراهق أو يدمرها".
- ولتتحاشى ميساء الإحتمال الأخير، تشرح كيف تخطط شخصياً للخروج من دون ضرر يؤثر في ابنها وأسرتها: "أنا منكبة دوماً على تقديم المساندة المعنوية والمادية، يعني أنني أطمئنه بوجودي بقربه، أساير تفكيره وأعطيه وقتي وإهتمامي ورعايتي".
في المقابل، تحرص ميساء على أن تُندِّي تفكير ابنها بزخات قليلة من العقلانية، تبوح: "أحاول أن أقنعه من دون أن يشعر، بأنّه مازال صغيراً على الحب والجنس، وبأنّ الطريق أمامه طويل، وعليه أن يعبِّده بالدراسة، ليفتح المستقبل المشرق الأبواب له، أرجو أن يهديه الله".
- جيل غريب:
يرمي أحمد حيدر (مقاول) حمل أولاده الخمسة على زوجته، ويقول بصراحة: "زوجتي هي من تراقبهم عن كثب، خصوصاً أنّ البنت الكبيرة على وشك دخول مرحلة سن المراهقة".
حجة أحمد أنّ الأُم هي الأقرب إلى أولادها، "البنات بالتحديد". ويَعتبر أنها "تفهم الأولاد جيِّداً وتتعامل معهم كصديقة لا كأُم، ما يريحني جدّاً".
يبتسم أحمد ساخراً وهو يخبر: "إبن صاحبي الذي لم يتجاوز السابعة من عمره، يقول إنّه، ولإغاظة حبيبة قلبه، جعلها تشك في أنّه يحب صديقتها، وهو أمر لا يصدق إلا مع هذا الجيل".
هذه الحكاية جعلت أحمد يستعد للتدخل، عندما يكبر أولاده الذكور، واضعاً مخططاً في رأسه مفاده: "سوف أحاول أن أكسب ثقة الشباب، لأصل بهم إلى الهدف المرجو، أي أن أقنعهم بأنّهم مازالوا صغاراً على الحب وقصصه، آخذاً بعين الإعتبار مشاعرهم التي تكون في هذه المرحلة مرهفة جدّاً".
يتوقع أحمد أن يخرج المراهق، "كل مراهق من تجربة تعلّمه الكثير"، ففي رأيه: "غالباً ما يقضي المراهق هذه الفترة، مفكراً وشارداً في حبه، ثمّ لا يلبث أن يتجاوز الأمر، وفي جعبته درس مهم يتسلح به لأيّام النضوج الآتية".
لا تختلف إعتبارات سامية شهاب (موظفة في وزارة الصحة) وهي أُم لثلاثة مراهقين، عن إعتبارات أحمد، حين تتملق الجيل الحالي بسخرية: "نجانا الله من هذا الجيلز يعتبر نفسه أنّه الصح دائماً وأننا المخطئون".
ترفض سامية بإصرار إستعمال الشدة مع أولادها، ففي إعتقادها: "أسلوب الأهل الرافض مشاعر المراهقين، غالباً ما يصل بهم إلى الإنحراف الكامل. أفضل التعامل معهم بصراحة وعلى المكشوف، لنتوصل معاً إلى نقاط تفاهم مشتركة ترضينا جميعاً، ولابدّ من أن يقتنع المراهق بطريقة أو بأخرى، بأنّه مازال صغيراً على قصص الحب، وبأنّ الدراسة والعمل هما بداية مشواره في الحياة".
عندما تعرف سامية أن ابنها المراهق مغرم بإحدى الفتيات، تلمح: "أجلس معه لأناقشه في الموضوع، وأكشف له الأمور التي يجهلها في العلاقات التي تحصل في عمره، وأبيّن له قدر الإمكان النتيجة التي عليه أن يتوقعها، ولأقنعه ألجأ إلى أمثلة عشتها أو سمعت عنها".
لن تتردد سامية في إحضار حبيبة ابنها إلى البيت. "لو هو أراد أن يعرّفني إليها. هكذا أضمن أنّه لن يلتقيها في مكان آخر. إذ يصعب عليّ مراقبته. ثمّ إنّ هذه الطريقة ستعزز ثقته بي، وتُشعره بأنني إلى جانبه أدعم تجربته وأتفهمه".
يرد جمال سليمان (مدير مكتب): "كل شيء معقول مع هذا الجيل، هو يختلف عن جيلنا وجيل آبائنا وأجدادنا، ولا نعرف عن الجيل الذي سوف يأتي مستقبلاً".
ومسألة الجيل تحتاج من وجهة نظر جمال: "مواكبة فكرية من طرف الأهل، تكون عصرية ومتنبهة لمتطلبات المراهقين الآنية وطموحاتهم المستقبلية، لكيلا يتوه الطرفان عن بعضهما".
أمّا إذا تجاوز المراهق الحدود الطبيعية للمرحلة التي يعيشها، فيرى جمال في ذلك: "عيباً من الأهل أنفسهم، ومن تربيتهم، لكونهم لم يقدّروا العواقب قبل وقوعها. كان عليهم أن يتفاهموا مع ولدهم المراهق، إلى أن يصلوا معه إلى نقطة مشتركة بينه وبينهم، فيرتاح ويريحهم من مفاجآت غير مستحبة".
- إستعداد:
لم يستعد علي زنجي، مثل غيره، لمواجهة مراهقة ولديه، يقول: لا يزالان صغيرين، وعندي وقت طويل لأحضّر نفسي لهذه المواجهة، إضافة إلى أنني لا أعرف كيف سيكون الزمن عندها، وما الأسلوب الأنجح للتعامل مع جيلهما".
إذا كان عليّ يَعتبر نفسه غير متورط في موضوع المراهقة، فذلك لا يعني أنّه لا يقرأ عن التربية من هنا وهناك، وذلك بحسب تأكيده، ويضيف: "قد أكون مقلاً في قراءاتي عن المراهقة وأساليب التعامل معها، وأشعر بأنني سأرتبك في تحاشي مشكلات ولديّ مستقبلاً، إلاّ أنني على يقين من أمر واحد، وهو أنني سأترك لهما الحرِّية في كل شيء، طالما أنهما لا يؤذيان نفسيهما أو الآخرين". ويلاحظ علي أن طرق التعامل مع الأولاد المراهقين، "تتفاوت من عائلة إلى أُخرى"، يفسر: "تختلف التربية المعتمدة عند كل عائلة، بحسب الأسس والمبادئ الإجتماعية والثقافية والإقتصادية، فهنالك أهل يرفضون أن يتحدثوا مع ابنهم في الأمور العاطفية والجنسية. وفئة أخرى من الأهل، يتمحور تفكيرهم حول الأمور المادية، فيهملون مسألة التربية أو يكلفون بها الخدم والمربين، إضافة إلى أن آخرين تُحتم ثقافتهم عليهم، أن ينجبوا الأولاد، لكي يعملوا ويساعدوهم في زيادة دخلهم المادي، من دون إكتراث لتربية أو تعليم، أو غير ذلك من المتطلبات الأساسية والمهمة، للتنشئة الصحيحة والسليمة".
من جهتها، تبوح صفا نجار بأنّها تخاف على ابنها المراهق، على الرغم من أنها لم تلحظ عليه أي بوادر لعلاقة عاطفية بعد: "أنا مستعدة دائماً لأواجه مراهقته في أي لحظة. يقول شعوري إنّه سيبدأ قريباً، فهو الآن في الرابعة عشرة من عمره، وفي هذه السن تبدأ حكايات العشق والهيام".
يشرد تفكير صفا، قبل أن تستأنف كلامها، وتضيف: "أخاف بشدة من أن يبدأ المرحلة، بالإصرار على السهر خارج البيت إلى ساعة متأخرة من الليل، وبعدها أن يتورط في علاقة عاطفية، تهز سلوكه وتشتت تركيزه أو تلهيه عن دروسه. وأكثر ما أخشاه أيضاً، هو أن يتعرف إلى أصدقاء سيئين فيعلموه الإنحراف، أو غير ذلك من الأمور المخيفة مثل التدخين والمخدرات".
تعود صفا إلى مسألة إستعدادها، وتحاول أن تطرد من رأسها الأفكار البشعة التي ذكرتها، تكمل: "حين يأتي ابني ويخبرني أنّه يحب فتاة، سوف أشجعه وأسانده، ليطمئن إليَّ ويصارحني بكل شاردة وواردة. وأرى أنها الطريقة الأمثل لكسب ثقته، لكيلا يلجأ إلى أحد غيري، غير خبير في هذه الأمور، فيؤثر فيه سلباً بنصائح غير صحيحة، أو في غير محلها".
"لطالما كنت مستعدة لهم ولمراهقتهم"، بعفوية مبالغ فيها تجيب سميرة درّاس، أُم لثلاثة أولاد.
الخروج والصداقة والغرام، أمور تتحدث عنها سميرة ببساطة، فقناعتها تُملي عليها مناقشتها بصراحة مع ألادها، من دون لف أو مواربة، تقرُّ: "صحيح أنني كنت أناقشهم في جميع هذه الموضوعات، وصحيح أنني لم أشك يوماً في أنني كنت المسيطرة عليها والمخططة لها، إلاّ أنني أعرف في قرارة نفسي، أنهم أخفوا عليَّ القليل من كل شيء، ولو في حدود المعقول".
تنظر سميرة إلى أسرار أولادها بتعاطف، وتعتقد أنّ "هذه خصوصيات من حقهم، ولا يمكننا أن ننتزعها منهم، المهم أن نربيهم بطريقة صحيحة، ونزرع الأخلاق الحميدة فيهم، بذلك نقدم لهم السلاح الأقوى، ليحاربوا به الأفخاخ المتربصة بهم في الحياة"ز
وإحترام أولادي والدهم، ساعدني كثيراً"، تتابع: "كانوا يخشون ردّ فعله، إذا أخطأوا في مكان ما. لذلك كانوا يتحاشون الوقوع في الخطأ"، تتذكر سميرة، حين كان يأتيها أحد أولادها ويخبرها عن علاقته بصديقته، فتبتسم للذكرى وتعلق: "كنت أتركه يعيش الدور وأساير مشاعره البريئة بحرص شديد، إلى أن يقتنع من تلقاء نفسه بأن علاقته لا تتعدى الصداقة، وبأنّه مازال طري العود، وأمامه تجارب كثيرة ليخوضها ويتجاوزها، إلى أن يكبر وينضج ويختار شريكة روحه الحقيقية".
- بين الطفولة والنضج:
على عكس الآخرين، تؤكد رفقة رشاد، أُم لستة أولاد: "لم أشعر بمراهقة أولادي، لقد كانوا عقلاء جدّاً، ربّما لأنني كنت أنا ووالدهم شديدين في التربية معهم".
تشير رفقة إلى أنها ليست متساهلة مثل الآخرين، في موضوع العلاقات العاطفية عند المراهقين، لأنها تراهم في "مرحلة عمرية خطيرة. الأولاد خلال هذه الفترة، يجهلون حقيقة الأمور ولا يحسبون نتائج أعمالهم، لكونهم في المرحلة الفاصلة بين الطفولة والنضج".
الإستنتاج هذا، دفع رفقة إلى إعتماد مبدأ المنع والرفض، لأي علاقة قد يفكر في إقامتها أحد أولادها، تصرح: "أفهمتهم أنّ الحب والغرام ممنوعان من قبل أن يبلغوا سن المراهقة، وأقنعتهم بأنهم حين يكبرون وينتهون من دراستهم، سوف يقومون بكل ما يرغبون فيه عن نضج وتعقُّل".
استندت رفقة إلى خبرتها في الحياة: "لأقنعهم بوجهة نظري، ويبدو أنّ الأمر نجح. وقطعوا المرحلة بأمان ولم يسببوا مشكلات لأنفسهم أو لنا".
كذلك تعترف سوزان سامي (أُم لأربعة أولاد): "أنا أيضاً لم أشعر بمراهقة أولادي، ربّما لأنني وزوجي متدينان أكثر من اللازم، ومتماسكان كأسرة بقوة، ساعدناهم على تجاوز المرحلة من دون أخطاء".
إنما سوزان وزوجها لم يعتمدا شعار الممنوع مع أولادهما، لأن نصيحتهما الدائمة كانت: "إقامة صداقة متينة مع الأولاد في جميع مراحل أعمارهم. كان أولادي يأتون بأصدقائهم من الجنسين إلى البيت، وكنت وزوجي نراقب كل ما يجري بينهم، من دون أن نشعرهم بأننا نتطفل عليهم، أو نقيد حرِّتهم".
بالأسلوب هذا تذكر سوزان، أو أولادها اعتادوا على الصراحة: "لا أسرار مخفاة بيننا، ولا خجل من مناقشة أي موضوع، حتى لو كان عن الجنس". لذلك تؤمن سوزان بأن "الإشراف المباشر والواضح للأهل على أولادهم المراهقين، فيه منفعة للطرفين، ومن شأنه أن يؤدي إلى زرع الثقة المتبادلة والصريحة".
يأتي تعليق تامر إبراهيم (موظف بنك) بين المناهِض لفكرة المنع والرفض، التي يعتمدها الأهل مع أولادهم المراهقين، والمؤيد أسلوب النقاش والحوار معهم: "لم ننس أيام المراهقة، وكم كانت حاجتنا كبيرة وقتها إلى أهل متفهمين، ومقدِّرين مشاعرنا والتجارب العاطفية التي عشناها".
من الطبيعي في رأي تامر، أن يخوض المراهق "معركة إثبات نفسه في علاقة عاطفية، تطبع شخصيته بأحاسيس تتراوح بين الطفولة والنضوج، مثلما ذكرت رفقة".
في هذه المرحلة يدعو تامر الأهل إلى استيعاب مراهقيهم، وينصحهم: "جميل أن يقدم الأهل المساندة لإبنهم عند وقوعه في الغرام للمرة الأولى، عندها لن يشعر بأنّه مخذول أو متروك أو مرتبك. سيكون أقوى في مواجهة الموضوع، وأكثر قدرة على التحرر منه بأقل خسائر نفسية".
يعترف تامر: "أذكر جيِّداً علاقتي العاطفية الأولى، والدعم الجميل الذي قدمه لي والداي، لم تصل بي مراهقتي إلى الخطوط الحُمر، التي يخشاها الأهل دائماً، بفضل مراقبة أهلي تصرفاتي وتفهمهم العميق سلوكي حينها. اليوم، أنا أقدّر حكمتهم الغالية كثيراً".
* الدكتور محمد أبو العينين
- على الأهل مراقبة أولادهم:
يُحدد الدكتور محمد أبوالعينين، أستاذ علم الإجتماع، مرحلة المراهقة، في الفترة بين سن البلوغ وسن الرشد (18 عاماً). يوضح: "بالتأكيد تختلف سن البلوغ من شخص إلى آخر، وتتسم هذه المرحلة ببعض الإضطرابات في الشخصية، نتيجة التغيّرات البيولوجية والفيزيولوجية، التي تطرأ على المراهق ومنها على سبيل المثال، إفرازات الغدد والهرمونات. كما تتسم هذه المرحلة بمحاولة التعبير عن الذات، وإظهار ملامح الذكورة، مثل الشارب والعضلات، والصوت الغليظ الجهوري، أو ملامح الأنوثة كالإهتمام بالمظهر العام وشكل الجسد، والإتجاه نحو أدوات التجميل".
أمّا إذا اكتشف الأبوان أن ابنهما المراهق أو ابنتهما المراهقة، في حالة حب، فيدعوهما أبوالعينين، إلى "معالجة الموقف بحكمة وتأنِّ بالغين".
لأنّ الإندفاع نحو تأنيب المراهق بسبب مشاعره، أو حرمانه من التعبير عن هذه المشاعر، يؤدي في رأي الدكتور أبو العينين: "إلى عقد نفسية تصاحبه بقية مراحل حياته، ولكننا في الوقت عينه، لا ننصح بأن ينساق الأهل وراء عواطف الأبناء، فهم بعدُ في سن صغيرة، يندفعون نحو الجنس الآخر بدوافع غريزية وعاطفية هواء وغير عقلانية. وقد يكتشفون في مرحلة تالية من حياتهم، أنهم تسرعوا وهم مخطئون".
ينبه الدكتور أبو العينين إلى أن سن المراهقة هي "مرحلة دقيقة إلى درجة الخطورة"، لذا ينصح الآباء: "بأن يراقبوا أولادهم عن كثب، إلى أن يتجاوزوا هذه المرحلة بسلام، وبأقل قدر ممكن من المشكلات العاطفية والنفسية والجسدية".
فالمراهق، بحسب أبو العينين: "يشعر بأنّه يمتلك الأرض وما عليها. لكونه يستشعر قوة هائلة في داخله، ويميل إلى فرض شخصيته وآرائه ومزاجه على الآخرين، فيصطدم مع كل من المجتمع وقيوده وأهله ومحاذيرهم. كما يتباين إختلافه في التفكير والرأي عن غيره من هؤلاء، ما ينجم عنه صراع حاد بينه وبينهم، ويتعكر صفو العلاقات الإجتماعية من جهة والأسرية من أخرى، وينتهي الأمر يتحويل حياة الجميع إلى جحيم".
يحمل الدكتور أبو العينين كلامه الختامي، الكثير من التفاؤل وهو يعلن: "في الغالب، تمر مرحلة المراهقة بسلام. المهم أن نكون حذرين، ونتحاشى المواجهة العنيفة، أو إستخدام أساليب تربوية لا ترقى إلى مستوى التعامل مع المراهق. وقد يكون مستحباً، لو تم العمل على تفريغ الشحنة الجنسية والعاطفية عنده، في الرياضة وممارسة الهوايات".
|
|