الجمال والزواج

من حقّنا كشباب أن نضع في قائمة أولوياتنا مشروعاً حياتياً واجتماعياً مهمّاً وهو الزواج، ومن حقِّنا أيضاً أن نضع في قائمة المواصفات التي نطلبها الجمال.
ولكنّنا قد نبالغ أحياناً في الشروط والأوصاف، ناسين أنّ التي تتوافر على شروطنا لها شروطها أيضاً التي قد لا تتوافر فينا، وأنّ المبالغة في التركيز على الشكل تخسرنا الجمال الآخر الذي عبّرنا عنه بـ"الجاذبية" أو جمال الروح، وأنّ الجمال الجسدي الخالي من الجمال الروحي ليس جمالاً بل وبالاً.
ففي الحديث الشريف: "إيّاكم وخضراء الدِّمَن! قيل: يا رسول الله وما خضراء الدِّمَن؟ قال: المرأةُ الحسناء في منبَتِ السُّوء"، إنّها مغرية بشكلها منفّرة بفعلها، فالتي نبتت في البيئة المنحرفة لا شكّ أنّها اقتبست بعضاً من أخلاق تلك البيئة – إلا ما رحم ربِّي –، وفي ذلك يقول الشاعر:
كالرِّيحِ آخذةٌ ممّا تمرّ بهِ **** نتناً من النتن أو طيباً من الطيب
ولذا كان نهي القرآن عن الزواج بالمشركة أو المشرك حتى ولو كانا على غاية من الجمال:
(وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ...) (البقرة/ 221).
جمال لا يضاهيه جمال، بل إنّه يضفي على الشكل جمالاً لا تجده في الكثير من الوجوه الجميلة غير المؤمنة.. إنّه جمال البهاء في النِّساء وجمال الهيبة في الرجل. ومن هنا يمكننا أن نعرف السبب في التأكيد أو الحثّ على الزواج بالمؤمن: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخُلقه فزوِّجوه". والزواج بالمؤمنة: "عليكَ بذاتِ الدِّين تربت يداك".
وحين يدعونا القرآن الكريم إلى أن نختار التي ننسجم معها وتنسجم معنا في الطيِّبة والسيرة والسلوك والإيمان:
(وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ) (النور/ 26).
وينهانا عن الإقدام على الزواج من الخبيثة في ذلك كلّه:
(الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ) (النور/ 26).
فإنّ كل شكلٍ لشكله أليق.
ولكي لا نعيش الخناقات اليومية والتعاسة الزوجية والمشاكل العويصة التي قد تنتهي بالطلاق، ليَحذر الشاب من البداية، الوقوع في شرك الجميلة الشكل الخبيثة الطباع، ولتحذر الشابة الفتى الوسيم الخبيث السيرة والسريرة.
إنّ من حقّ الشاب أن يتزوّج الفتاة التي تسرّه إذا نظر إليها حتى لا يمدّ عينيه إلى ما متّع الله به أزواجاً آخرين، ومن حقّ الفتاة أن تتزوّج الشاب الذي لا يقصر في عينها فتقع في الخيانة.
لكنّنا ونحن نقدّر أثر ذلك، نلفت عناية شبابنا وشابّاتنا إلى أنّنا لو تزوّجنا بمن لها حظّ بسيط من الجمال أو له قسط قليل من الوسامة فلنبحث عن معالم الجمال الأخرى في شخصية الطرف الآخر، ذلك أنّ الجمال لا يتجزّأ، والجمالُ هو الجمال الذي يُكلّل فيه جمال الروح والأخلاق جمال الوجه والجسد.
إنّ التأني في الاختيار لكلا الجنسي عاصم من الوقوع في الخطأ الذي قد يصعب علاجه أو إصلاحه مستقبلاً، فالحبّ ليس كما يقال أعمى، إنّه بالنسبة لنا كشباب مسلمين وكشابات مسلمات واعٍ بصير يقوم على دراسة متأنِّية للشريك، وإلا فإنّ الاختيار على أساس الجمال فحسب قد يجعل الشاب أو الشابّة يعيدان في الأيّام القادمة حساباتهما لأنّهما وضعا شرطاً واحداً فقط وهو الشكل الحسن، وعندها لا يلومنّ أحدٌ إلا نفسه لأنّه سيكتشف في وقت ربّما يكون متأخّراً أنّه لم يسأل ولم يبحث عن صفات الجمال الأخرى التي يفتقدها في شريك حياته.
الشكل أو الجمال الظاهري مطلوب، لكنّه ليس الشرط الوحيد في تحقيق السعادة الزوجية، فهناك في هذه الحياة المشتركة الجميلة الكثير الكثير من الجمالات غير المنظر الخارجي، فهناك المودّة وهناك الرحمة، وهناك الألفة والعشرة والأُنس، وهناك التفاني، وهناك العمل المشترك على إنشاء أسرة صالحة، وهناك وهناك، فإذا فاتنا جمال فسيكون هناك أكثر من جمال آخر يمكن أن نتطلّع إليه، ويمكن أن ننجذب بسببه إلى الآخر.

لمزيد من التواصل مع موقع  عالم المعرفة و التميز أضغط هنا و أنضم لصفحتنا على الفايسبوك