التعبير بالحركات.. أول لغة لدى الطفل

مات الجديدة التي تعرّف إليها من خلال لغة الإشارة. لذا، عند تعليم الطفل لغة الإشارة، يجب في البداية اختيار الإشارات التي ترسم صورة ذهنية للكلمة التي يحاول الشخص تعليمها للطفل. فمثلاً، عند تعليم كلمة "اسمع" تُضَمُّ أصابع اليد الواحد لتصبح على شكل كوب ثمّ تُوضَع خلف الأذن. ومن خلال هذه الصورة (كويب اليد) والحركة (وضعها خلف الأذن) يتمكن الطفل من فهم المقصود.
تعليم الطفل الأحرف والتهجِّي: يتعلم الطفل في صف ما قبل المدرسة تمييز الأحرف وكتابتها. وبما أنّ العديد من الإشارات تمثل شكل الأحرف المكتوبة، فإنّ تعلّم هذه المهارة الجديدة يساعده على كتابة الأحرف الأبجدية يدوياً. والطفل الصغير الذي يتعلم كيف يُحرّك ويلوي أصابعه بسهولة ليُشكّل بواسطتها كلمات، ويستمر في التدرُّب على التهجي بأصابعه، يحقق نجاحاً واضحاً في امتحان الإملاء في الصفوف المدرسية، وذلك لأنه في خلال سني المرحلة الابتدائية، وربما في المراحل التالية، يستطيع الطفل اللجوء إلى أصابعه لتذكّره كيف يتهجَّى الكلمة.
تشجيع الطفل على التواصل: يكون الأطفال في هذا العمر غير قادرين بعدُ على التعبير عن أنفسهم بوضوح وبشكل مفهوم. لهذا، يلجأ الطفل إلى ضرب أو شد شعر الطفل الآخر الذي يلعب معه، لو حاول خطف دميته من يده بدلاً من أن يطلب منه ردّها إليه. فإذا كان الطفل يتقن لغة الإشارة ويستطيع الاعتماد عليها، يصبح لديه خيار آخر للتعبير عن مشاعره، غير خيار الغضب وإساءة التصرف.
وعندما يتمكن الطفل من إتقان إشارة بعض الكلمات، يبدأ في تعلّم إشارات الكلمات التي تُعبّر عن المشاعر مثل: الفخر، الجنون، السعادة.. إلخ. فإذا ثار الطفل غاضباً وأخذ يصرخ ويبكي بطريقة هستيرية، أو يلقي بالأشياء غير مُبالٍ بنتائج ثورته، على الأم أن تطلب منه بهدوء أن يُصوّر لها كلمة غضب بأصابعه. إذ إن تمكّن الطفل من التعبير عن شعوره بالإحباط بلغة الإشارة، يساعد في الأغلب على التوقف عن القيام بتصرفات سيئة قبل أن ينهار، أو على الأقل يقلل من شعوره بالغضب. وإذا تعلم الطفل التعبير عن أسفه بلغة الإشارة، يصبح في إمكانه أن يُسارع إلى الإفصاح عن ندمه وأسفه كلما أساء التصرف. ففي العادة، يستطيع الطفل الاعتذار باستخدام يديه، بشكل أسرع من النطق بكلمة آسف، لأن عليه قبل النطق بالاعتذار أن يتغاضى عن اعتزازه بنفسه، ثمّ ينطق الكلمة.

- المنافع النفسية والعاطفية:
إنّ الكلام هو أفضل وسيلة للتواصل. وعندما لا يستطيع الطفل الرضيع توصيل رسالته إلى الأُم عن طريق البكاء أو الضحك أو النحيب، تتحول هذه الأصوات إلى صراخ. لذا، فإنّ لغة الإشارة تُزوّد الطفل الرضيع بوسائل للتعبير عن أحاسيسه بطريقة تُوصله إلى هدفه بسهولة ومباشرة. فعندما تتجاوب الأُم مع بكاء أو ضحك طفلها وتُلبّي مطلبه بسرعة، يشعر بسعادة غامرة، الأمر الذي ينعكس على الأُم أيضاً.
إنّ لغة الإشارة تسمح للرضيع بالتواصل بوضوح، وهذا يعني أنّ الطفل يستطيع أن يُعبّر عن مشاعره بأسلوب مُفيد، ما يمنحه القناعة العاطفية. إنّ الأطفال الذين لا يصابون بالإحباط كثيراً لا يبكون كثيراً، كما أنهم لا يثورون كثيراً. وهذا لا يعني أن لغة الإشارة تجعل من الطفل مَلاكاً، بل تعني أنها تحدُّ فقط من مشاعر الغضب التي تنتج عن عدم القدرة على التواصل.
إنّ الأطفال الذين يتعلمون لغة الإشارة يزدادون ثقةً واعتزازاً بالنفس. فهي تعمل على تطوير ثقة الرضع بأنفسهم عبر العلاقات الناجحة مع بيئتهم ومحيطهم. ويتعلم الطفل من التجارب والمحاولة. لذا، عندما يصبح الطفل قادراً على التعبير عن مشاعره أو عواطفه أو رغباته أو احتياجاته بالإشارة، تزداد ثقته بنفسه. وبناء الثقة بالنفس مهم لتطور الطفل نفسياً وعاطفياً، كما أنه يُحدث فرقاً كبيراً في أداء الطفل في المدرسة. إضافة إلى هذا، إن لغة الإشارة تُحسّن مهارات الطفل الاجتماعية وتُعلّمه طُرق إنجاح تواصله مع الآخرين، وتشجعه على تبادُل الآراء معهم. إنها تُمكّن الطفل من الاشتراك في الأحاديث، وتُفسح في المجال أمامه لاستخدام الإيماء بطريقة مُنتجة. والأهم أن تعلّم لغة الإشارة عملية ممتعة ومُسلّية. والطفل الصغير يستمتع بالتعلم عن طريق اللعب. وما إن يتعلم الطفل أوّل إشارة فإنه يتحمّس لتعلم المزيد من الإشارات. وهذه العملية تخلق نوعاً من التفاعل المرح بين الطفل والأهل، وتقوّي الروابط العائلية بينهم.

- المنافع الفكرية:
إنّ المنافع الفكرية للغة الإشارة عديدة جدّاً. فالطفل الرضيع يبدأ التعلم منذ لحظة ولادته. الأطفال كالإسفنجة، يمتصون كل ما يجري في العالم المحيط بم. إنّ كل ما يساعدهم على التعلم بشكل أسرع، ويزيد من الفائدة التي يجنونها، يفيد في تطورهم. وتعلم لغة الإشارة يحفز ذكاء وعقل الطفل بطرق عديدة. وهذا التحفيز الفكري يفيد الطفل إلى حدٍّ يفوق التصور.
ومن بين منافع لغة الإشارة:
- إنها تزيد من سرعة تطور لغة الطفل الكلامية.
- تُعزز استخدام الطفل لغة الكلام.
- تُؤسّس لتعلُّم اللغة من خلال فكرة أو مفهوم.
- تُعزز محاولات الطفل للتواصُل.
- تشجّع على التعرّف إلى القراءة والكتابة في سن مبكّرة.
- تزيد من اهتمام الطفل بالكتاب.
- تؤسس لاستخدام الجُمل المركّبة في سن مبكرة.
وتَطال منافع لغة الإشارة الأطفال الذين تزيد أعمارهم على الثلاث سنوات أيضاً. فهؤلاء الأطفال الذين استخدموا لغة الإشارة عندما كانوا في عمر السنة، وإلى أن أصبحوا في عمر الثلاث سنوات، يمتلكون مهارات عالية في القراءة والنطق، ويطورون مجموعة مفردات اللغة التي يستخدمونها في سن مبكرة، وينمُّونها بسرعة كبيرة. إنّ العناصر الديناميّة للغة الإشارة تُعزز المهارات اللفظيّة وتُعمّقها.
وإذا تمكّنت الأُم من تعليم طفلها الرضيع لغة الإشارة، فإنّها ستُساعده على الكلام بسرعة. فاللغة مجموعة مفاهيم، وكل ما هو مطلوب من الأُم أن تكون قادرة على تصور شيء ما، وأن تربط المفردة التي تدل على هذا الشيء بالصورة التي في ذهنها، وعندما يتعلم الطفل طريقة عمل اللغة من خلال استخدام لغة الإشارة، فإنّه سيحاول استخدام الكلمة الفعلية في أسرع وقت ممكن. إنّ الخوف من أن تُبطئ لغة الإشارة من تطور الكلام عند الطفل لا أساس له من الصحة. في الحقيقة، العكس هو الصحيح.
إضافة إلى ذلك، إنّ لغة الإشارة تساعد على تعلّم المهارات وتحسينها. فلغة الإشارة تمنح الطفل القدرة للسيطرة على الحديث. إذ يصبح في إمكان الطفل التحدّث من دون تردّد أو تأتأة عندما يريد طلب شيء ما أو التعبير عن مشاعره. والأكثر من ذلك، يصبح الطفل قادراً على إطلاع الأُم على الموضوع الذي يثير اهتمامه، فيصبح في إمكانها التركيز عليه والتوسّع فيه. مثلاً، قد يرى الطفل شاحنة، فيستطيع عبر الإشارة أن يُعبّر للأُم عن حبّه للشاحنة. ومن هنا تستطيع الأُم، وعبر لغة الإشارة، أن تتوسع في الشرح عن الشاحنات (من حيث اللون، الحجم، الشكل.. إلخ). في هذه الحالة، يكون الطفل قد صوّر الشاحنة بلغة الإشارة، وتَواصَل مع أُمّه عبر هذه اللغة، وحصل على معلومات جديدة إضافية عن الموضوع الذي أثار اهتمامه.
إنّ لغة الإشارة تساعد الطفل أيضاً على تشكيل جملة كاملة. مثلاً، إنّ الطفل الذي يريد المزيد من الحليب، يرسم إشارة "مقدار إضافي" و"حليب". وهذه الكلمات تشكل جُملة أساسية، وتؤسّس لاستخدام جُمَل مُركّبة أكبر في سن مبكرة. إنّ معرفة الكتابة والقراءة في سن مبكرة تتضمّن القدرة على التمييز بين الكلمة والمفهوم. وقد يستطيع الطفل في الأصل تَعلّم كلمة "قطة". ولكن، إذا كان قد تعرّف إلى لغة الإشارة عندما كان لايزال صغيراً وتطورت لغته هذه مع الوقت، وزاد عدد المفردات التي يستطيع التعبير عنها بالإشارة، يصبح في مقدور الطفل وصف القطة بطُرق مختلفة، ليُبيّن الاختلاف بين القطط. ويتعلم الطفل عبر لغة الإشارة السؤال عن "دميته"، "دميته الصغيرة"، "دميته الشقراء"، "دميته الجميلة".. إلخ. وهذا الجُمل القصيرة والبسيطة تُعتَبر خطوة رئيسية نحو تطوير اللغة.


لمزيد من التواصل مع موقع  عالم المعرفة و التميز أضغط هنا و أنضم لصفحتنا على Facebook