هل يمكنكم كتمان سر؟

هناك أشخاص لا يمكنهم أن يكتموا سراً، السر مثل حديد ساخن على شفاههم يفعلون أي شيء لكي يتخلصوا منه، كثيراً ما يقدمون الوعود بأن يكتموا السر، إلا أنّ هذا من رابع المستحيلات، يريدون ذلك لكنهم لا يستطيعون.
تقول سلوى: "أخبرتني صديقتي رنا أن زوجها يخونها منذ فترة، وطلبت مني ألا أقول شيئاً عن الموضوع لأي أحد، لكن الأمر كان أقوى مني، كان من الضروري أن أتحدث مع أحد حول ذلك". هذا المثال يبيّن إلى أي حد من الصعب أحياناً، وربّما دائماً، على بعض الأشخاص أن يكتموا سراً وأن يحترموا وعداً قطعوه بألا يفشوا السر.
وحسب نيكول بريور، وهو محلل نفسي وفيلسوف، فإنّ "الخيانة هي عنصر مكون يوجد في كل تعاملات البشر بينهم وبين بعضهم". "الخيانة موجودة بطريقة غير واعية في علاقات الناس بينهم وبين بعض، وهي تشكل جزءاً من شخصياتهم ما يختلف هو درجة الخيانة". إلا أنّ الأخصائي هنا يهون قليلاً تأنيب الضمير، الذي قد يشعر به أولئك الذين لا يستطيعون أن يربطوا ألسنتهم.

- طلب غريب:
غريب أمر الشخص الذي يفشي سراً إلى شخص آخر ويتمنى عليه ألا يبوح بالسر لشخص ثالث، كيف يجرؤ الأوّل أن يطلب من الثاني الكتمان إذا كان هو نفسه لم يكتم سره؟ إنّه طلب متناقض حقاً، ما يحصل هو أنّ الأوّل يجرؤ لأنّه بذلك يتحرر من عبء صراع داخلي عنده. "الشخص الذي يبوح بالسر لشخص ثانٍ يطلب منه أن يتفهم مشكلته وألا يبوح بسره لأحد آخر. ولكن وفي كثير من الأحيان، فالأمر يتعلق هنا برغبة غير معلنة من قبل الشخص الأوّل بإعلان سر يشكل حملاً ثقيلاً عليه ويرغب في التحرر منه وتقاسمه مع شخص آخر. فتلك التي باحت لصديقتها بأن زوجها يخونها، كانت ربّما تنتظر من الثانية أن تساعدها وتخفف عنها العبء ولو معنوياً.

- صراع الولاءَات:
يحدث أحياناً أن يكون السر الذي يفشيه شخص ما لشخص ثانٍ أمراً منافياً للمبادئ والقيم التي يؤمن بها الثاني، ما يسبب حيرة كبيرة للثاني، يجد نفسه في موقف لا يحسد عليه، هل يفعل ما يمليه عليه ضميره ويتكلم أم يصمت ولا يخون الثقة؟ تخيل مثلاً، أنكعلمت من موظف في إدارة الموارد البشرية أنّهم سيستغنون قريباً عن صديقك وزميلك المقرب، هل تسكت وتحفظ السر، على الرغم مما قد يتسبب من ضرر لصديقك، أم تخبره لكي تتدارك الأمر وتستعد؟ إذا اخترت أن تكون وفياً لصديقك وأن تخبره بما ينتظره حتى لو كان في ذلك خيانة لثقة الموظف الذي أخبرك بالمعلومة، فإن "إعطاء الأولوية للصداقة ودعم الصديق بإخباره ما ينتظره سيكون تجسيداً لإلتزام حقيقي منك تجاه صديقك قائم على قناعات متينة، هي اقتناعك بقيمة الصداقة" يقول نيكول بريور، ويضيف: "لكن هذا يمكن أيضاً أن يكون وسيلة لرسم صورة ليست إيجابية جدّاً عن نفسك". إنّ الشخص الذي يقرر أن يكون وفياً لإلتزامه بالصداقة ودعم صديقه لا يمكن أن يكون شخصاً سلبياً، لأنّه سيظهر بدور المنقذ، أو العنصر الضروري بالنسبة إلى صديقه، لهذا نجد أشخاصاً كثيرين مستعدين لإفشاء السر، حتى وإن كان هذا يخالف طبيعتهم، من أجل ما فيه مصلحة أحد أصدقائهم. وهذا هو الإختبار الحقيقي.

- تأكيد الذات:
يقول نيكول بريور: "إنّ الشخص الذي يبوح بكل أسرار الآخرين، هو شخص يعطي أهمية كبيرة بل زائدة لنظرة الآخرين إليه، فهو يحكي أسرار الناس لكي يشعر بالإثارة، لكونه جذب أنظار مَن يحكي لهم، وجعلهم يفاجأون أو يندهشون أو يشعرون بالرضا، لكونه أعطاهم معلومة لا توجد إلا عنده. وهذه الإثارة، حتى وإن كانت لا تستمر سوى للحظات، إلا أنّها غاية في الأهمية بالنسبة إلى مَن يفشي السر، فهي تشعره بأهميته. إن وجود جمهور يستمع إليه يجعله يشعر بأنّه موجود. مثل هؤلاء الأشخاص يعطيهم إفشاء السر السلطة. ولكن وفي مقابل ذلك، فهم مستعدون لأن يدفعوا الثمن، وهو فقدان الثقة بهم. إنّهم يفقدون ثقة صاحب السر وثقة مَن أفشوا لهم السر، يفقدون ثقة الأصدقاء والزملاء والعائلة، عملاً بالمثل القائل: "مَن قال لك عن. قال عنك"، لكنهم غالباً لا يأبهون، لأن كل ما يهمهم هو أن يستمتعوا بعشر دقائق من النجومية.

- ما العمل؟
إذا كنت تجد صعوبة في كتمان أي سر، وتريد حلاً، فأوّل ما عليك فعله هو الرفض، تعلم كيف ترفضين، إذا كنت تعلم أن من شبه المستحيل أن تحفظ سراً لا تتردد في أن تصارح صاحب السر قبل أن يخبرك به بأنّك ترفض الإستماع إليه. صحيح أنّ هذا سيفاجئ الشخص المعني، إلا أنّه سيكون شاكراً لك على شفافيتك وصراحتك، ولو جزئياً. ونقول جزئياً، لأنّك برفضك أن تسمع السر ترفض أن تحمل عنه بعض المسؤولية وتتركه وحده في مواجهة مسؤولياته.
ثانياً، تخيل ما الذي يمكن أن يحدث لاحقاً، ها أنت الآن تحمل سراً كبيراً، معلومة خطيرة، قبل أن تخبر أحداً بها، تخيل ما الذي يمكن أن يحدث إذا افتضح السر، حينها يمكنك أن تقارن بين فائدة لإفشاء السر بالنسبة إليك (نجومية عامرة) وبين المشاكل التي يمكن أن تتحملها نتيجة ذلك (فقدان ثقة من حولك، فقدان صديقة، قطع علاقة قديمة..).
ثالثاً، إذا كان السر يخصك أنت وتشعر برغبة ملحة لإخبار شخص ثانٍ به، ضع نفسك مكان الشخص الآخر الذي ستفشي له السر، ما الذي سيفعله بهذا السر الذي ستخبره به؟ ما الذي يمكن أن تفعله لكي تخفف من هذا الحمل الذي ستحملينه إياه؟ هل أنت جاهز للراحة التي تتمنى الحصول عليها بإخبار شخص آخر عن سرك؟ هل أنت جاهز لتحمل عواقب أن يفشى سرك لشخص ثانٍ ثمّ ثالث ثمّ ينتشر الخبر بين الناس؟ ألن يكون الحل الأفضل هو أن تصمت؟
لمزيد من التواصل مع موقع  عالم المعرفة و التميز أضغط هنا و أنضم لصفحتنا على Facebook