تحرر من حالاتك النفسية السلبية بالرياضة


كم مرة أرغمنا أنفسنا على التوجه إلى النادي الرياضي، وذهبنا على مضض ثم أدركنا، عند تبديل ملابسنا بالعرق، أننا نشعر بتحسن كبير؟ وكم مرة عجزنا عن تبديد خمولنا طوال ساعات العمل إلى أن خرجنا في نزهة على القدمين؟ نعم، للنشاط البدني قدرة سحرية على تعديل وتحسين الحالة النفسية.

في السنة الماضية أجرت إحدى شركات المنتجات الرياضية العالمية إستبياناً في مختلف الدول الأوروبية، شمل أكثر من 10 آلاف إمرأة تتراوح أعمارهنّ بين 16 و30 سنة، تأكد على أثره أن هناك علاقة وطيدة بين ممارسة الرياضة بانتظام وبين جميع مظاهر المزاج الجيِّد. فممارسة الرياضة تساعد على تعزيز الثقة بالنفس، وتحسن الصورة الذهنية التي نملكها لأجسامناً وتعزز تقييمنا الذاتي لأنفسنا. ويقول البروفيسور ستيوارت بيدل، أستاذ علم النفس الرياضية في جامعة لوبورو البريطانية: إنّ العلماء لا يعرفون بوضوح كيف ولماذا نحصل على هذه النتائج عند ممارسة الرياضة. لكنهم يعرفون أن هناك مجموعة من العوامل النفسية والبيولوجية التي تلعب دوراً في ذلك. فمن جهة تعتبر ممارسة الرياضة نشاطاً مسلياً يمنحنا إحساساً بأننا نقوم بأمر يستحق الجهد، يحسن شعورنا تجاه أنفسنا. لكن هناك عدداً من الظواهر البيولوجية المعقدة تحدث في الدماغ، وربّما كانت أكثر ظاهرة يعرفها الناس هي إرتفاع مستويات الأندورفينات التي تحسن المزاج.

- الأنشطة البسيطة مفيدة أيضاً:

نحن لا نحتاج إلى تمضية ساعات طويلة في ممارسة رياضات مرهفة أو في الركض في ماراثون للحصول على فوائد الرياضة المذكورة. فقد تبين في العديد من الدراسات أنّ التمارين معتدلة القوة تعطي نتائج ممتازة على مستوى المزاج والحالة النفسية. ففي الدراسة التي أجريت في "مايو كلينيك" مثلاً، تبين أن ممارسة تمارين اللياقة البدنية لمدة تتراوح بين 10 و15 دقيقة تساعد على تحسين المزاج على المدى القصير. ويقول المتخصص الأميركي في اللياقة البدنية مات روبرتس: إننا عندما نكون مكتئبين، فإن آخر ما نرغب في القيام به هو ممارسة الرياضة. ولكن، علينا أن نتذكر أنّه مهما بلغت درجة توترنا وإكتئابنا، فإن ممارسة الرياضة سترفع معنوياتنا، وستحسن حالتنا النفسية أكثر بكثير مما لو بقينا من دون أن نفعل شيئاً. والرياضة ليست علاجاً بالمعنى الحرفي للكلمة، لكنها تقدم لنا عوناً كبيراً، وأقل ما يمكن قوله إنها تساعدنا على رؤية مشاكلنا من منظور آخر. وينصح روبرتس غير المعتادين على ممارسة الرياضة بالبدء بخطوات صغيرة. فإذا لم نشعر بالحماس الكافي لممارسة الركض، يمكننا ممارسة المشي السريع. وعوضاً عن التمارين السريعة والقوية على الآلات المختلفة في النادي الرياضي، يمكن الإلتحاق بصف لليوغا التي تقوي العضلات. ومهما كان نوع التمارين التي نختارها، يستحسن أن نطبق قاعدة الدقائق العشر، فما إن ننفذ جزءاً صغيراً من التمارين (يستغرق عادة 10 دقائق) حتى ينتابنا شعور جيِّد، يزيد من إحتمال إستمرارنا في ممارسة الرياضة.

ويقدم المتخصصون عدداً من النصائح تتعلق بنوعية التمارين التي يمكننا ممارستها لتحسين المزاج في الحالات النفسية والبدنية المختلفة:

1- التعب والإحساس بالخمول:

الرياضة هي العلاج المثالي للخمول، إذ يعتقد العلماء أن زيادة تدفق الدم في الشرايين بفعل الرياضة، وما يتبعها من إرتفاع في نسبة الأكسجين، يسهمان في تعزيز قدرة العضلات على إنتاج الطاقة والواقع أنّ الدراسات أظهرت مراراً وتكراراً أنّ الرياضة لا ترهقنا على الإطلاق، بل على العكس فإنها تمدنا بالطاقة، في فترة ممارستها وعلى المدى الطويل. وكان البحاثة في جامعة جورجيا الأميركية قد أظهروا أن ثلث ساعة من ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة والمعتدلة في اليوم، 3 مرات في الأسبوع، لمدة ستة أسابيع أسهمت في التخفيف من الإحساس بالإرهاق الذي كانت تشعر به مجموعة من البالغين الذين يعيشون نمط حياة مدنياً يفتقر إلى النشاط البدني. كذلك أسهمت هذه التمارين اليومية في منح هؤلاء المشاركين المزيد من الطاقة.

نوعية النشاط البدني المناسب: يقول المتخصص الأميركي في اللياقة البدنية، نيك هادسون: إن آخر ما يرغب فيه من يشعر بالتعب والخمول هو ممارسة التمارين الشاقة الطويلة. لذلك فإنّ الأفضل في هذه الحالة هو التمارين القصيرة السريعة. يمكن مثلاً تخصيص نصف ساعة فقط للقيام بتمارين قوية مع فترات قليلة من الراحة بينها. فمن شأن هذه التمارين أن تزيد من سرعة الأيض. يمكن إختيار تلك التمارين التي يتم تنفيذها بالتتابع وبسرعة على سلسلة من الآلات الرياضية المختلفة في النادي.

وينصح روبرتس أيضاً بالتمارين التي تشكل مقاومة للعضلات، مثل تمارين رفع الأوزان لمدة 20 دقيقة، وذلك للحصول على دفعة كبيرة من الأدرينالين. ويمكن لمن لا يروق له رفع الأوزان، أن يشارك في أحد صفوف قيادة الدراجة الثابتة. ويعلق هادسون فيقول: إنّ الإلتحاق بمثل هذه الصفوف مفيد، لأننا لا نحتاج إلى التفكير كثيراً في ما نقوم به، فهناك شخص يقود المجموعة المشاركة في الصف. وعند الإحساس بالخمول أثناء ساعات العمل، تؤكد المتخصصة الأميركية في اللياقة البدنية لوسي ويندهام ريد، أن أفضل ما يمكن القيام به لمنح الجسم دفعة من النشاط، هو الخروج في نزهة سريعة على القدمين في الهواء الطلق. وللحصول على المزيد من الفوائد يمكن الجمع بين المشي السريع و10 دقائق من التمارين المنشطة للدورة الدموية. يمكن مثلاً ممارسة الهرولة في مكاننا أو القفز، أو تمارين الإقعاء والوقوف.

2- التوتر والإجهاد النفسي:

إضافة إلى ما تقدمه الرياضة من تخفيف فوري للتوتر، فإنّها تعتبر وسيلة فاعلة لتحقيق التوازن الإنفعالي على المدى البعيد. وكان البحاثة في جامعة بريستول قد وجدوا مؤخراً أنّ الموظفين الذين يمارسون الرياضة قبل التوجه إلى العمل، أو أثناء فرصة الغداء، يتمتعون بقدر أكبر من الإتزان، مقارنة بالآخرين. كذلك أكد 79 في المئة من هؤلاء الموظفين أن قدراتهم الذهنية، وأداءهم العام وتواصلهم مع الآخرين، تكون أفضل في الأيام التي يمارسون فيها الرياضة. وقال 74 في المئة منهم إنّ الرياضة تساعدهم على التعامل بشكل أفضل مع أعباء العمل.

نوعية النشاط البدني المناسب: يقول روبتس إنّه من الضروري تحديد نوع التوتر الذي يسيطر علينا قبل إختيار التمارين الرياضية التي سنمارسها. إذ يمكن أن يكون لهذه التمارين مفعول سلبي أو إيجابي حسب الحالة التي نمر بها. فعندما نتعرض للضغط النفسي تفرز أجسامنا هورموناً هو الكورتيزول. وهو مفيد عندما يكون بكمية صغيرة، لأنّه يمدنا بالطاقة ويعزز قدرتنا على التركيز. أما إفراز كميات كبيرة منه، على إمتداد فترة طويلة، فقد يزيد من خطر الإصابة بسلسلة من الإضطرابات الصحية بما فيها إرتفاع ضغط الدم. ومن المعروف أن مستويات الكورتيزول ترتفع عندما نمارس الرياضة، لذلك علينا تفادي ممارسة التمارين العنيفة في النادي إذا كنا نعاني التوتر المزمن. وينصح روبرتس في هذه الحالة بممارسة تمارين معتدلة القوة، تسهم في تنشيط إيقاع ضربات القلب وحركة التنفس. مثل الركض أو ركوب الدراجة لمدة 40 دقيقة. أما إذا تم إختيار تمارين تقوية العضلات، فيجب إستخدام أوزان يمكننا رفعها 12 مرة متتالية على الأقل. ويقول هادسون إنّه في الإمكان أيضاً ممارسة الرياضات القتالية، مثل الملاكمة، إذا كان التوتر الذي ينتابنا عرضياً وشرط أن تساعدنا هذه الرياضات على تفريغ التوتر، وليس على زيادته. أمّا الأشخاص الذين يعانون ضغطاً نفسياً متواصلاً، فينصحهم هادسون بالإلتحاق بصفوف تركز في تمارينها على التنفس والتحكم في الجسم، مثل اليوغا أو التأمل، أو على الحركات المتكررة، مثل السباحة أو ركوب الدراجة.

3- الإكتئاب والحزن:

فاعلية الرياضة في التخفيف من حدة الإكتئاب هي أمر مؤكد علمياً. وكانت دراسة حديثة أجريت في جامعة اسيكس البريطانية قد أظهرت بشكل خاص فوائد الرياضات التي تمارس في الهواء الطلق، مثل ركوب الخيل، والمشي في رفع المعنويات وتحسين المزاج.

نوعية النشاط البدني المناسب: كل تمرين يسهم في تسريع نبضات القلب مفيد لتحسين المزاج. وهذا لا يعني أنّه ليس في وسعنا ممارسة تمارين تقوية العضلات، إلا أنّ التمارين التي تنشط ضربات القلب هي أكثر فاعلية عندما يتعلق الأمر بإفراز المواد الكيميائية الطبيعية، التي تجعلنا نشعر بالإرتياح. وينصح روبرتس بالقيام بأي تمارين تساعد على رفع مستويات الأدرينالين والكورتيزول والأندورفينات. يمكننا ممارسة التمارين متفاوتة الشدة، أو الركض أو تسلق التلال، أو التمارين المتتابعة على الآلات الرياضية المختلفة.

أمّا بشأن الإستراتيجية التي يمكننا اتباعها لتشجيع أنفسنا على إرتداء ملابس الرياضة، علماً بأنّ الرياضة هي آخر ما نفكر فيه عندما نكون في حالة نفسية سيِّئة، فتنصح ريد بتجريب نشاط ممتع مسل يتسنى لنا خلاله التحدث مع الآخرين إذا شئنا. يمكن مثلاً الإلتحاق بصف لتعليم وممارسة الرقص أو الإنضمام إلى مجموعة تمارس المشي. والإلتزام مفيد لأنّه يخفف من إمكانية إنسحابنا وتخلينا عن النشاط البدني، لذلك تنصح ريد بالإتفاق مع صديق على ممارسة الرياضة بانتظام. وهي تنصح أيضاً بالإستماع إلى الموسيقى أثناء ممارسة الرياضة، فقد أظهرت الأبحاث أنّ الموسيقى يمكن أن تعزز قدراتنا الذهنية. ويستحسن تغيير التسجيلات التي نستمع إليها أسبوعياً أثناء ممارسة الرياضة في الهواء الطلق، أو داخل النادي الرياضي أو في منازلنا.

4- الوحدة:

الشعور بالوحدة هو واحد من المشاعر التي تجتاحنا في حالات إنحطاط المعنويات. ومن الضروري في هذه الحالة أن تتضمن الأنشطة البدنية، التي نمارسها، الخروج من المنزل بصحبة آخرين. وكانت الأبحاث التي أجريت في جامعة "بورتسماوث" البريطانية قد بينت أن مجرد إخراج الكلب الأليف في نزهة في الحديثة العامة يمكن أن يساعد على الوقاية من الإكتئاب والإحساس بالوحدة.

نوعية النشاط البدني المناسب: تنصح ريد بتفادي الإسراع إلى الإلتزام بممارسة أنشطة تشمل عداً كبيراً من الناس، لأن ذلك قد يكون مربكاً لنا إذا كنا من النوع الخجول. ويكفي في البداية تبادل التحية والإبتسام إلى الأشخاص الذين يمارسون الرياضة معنا. يمكننا إختيار تمارين مفعمة بالنشاط وذات طابع إجتماعي، مثل الرقص، عوضاً عن التمارين التي تتضمن منافسة. يمكننا أيضاً الإلتحاق بفريق يماري رياضة نستمتع بها.

5- ضعف الثقة بالنفس:

لا تسهم ممارسة الرياضة في تقوية أجسامنا فيزيولوجيا فحسب، بل إنها تساعدنا نفسياً على تحسين الصورة التي نملكها لجسمنا. وكانت الأبحاث في جامعة ماكماستر الكندية قد بينت أن ممارسة تمارين تقوية العضلات لمدة 12 أسبوعاً حسنت هذه الصورة لدى الرجال والنساء على حد سواء. كذلك فإن دراسة أجريت في جامعة بان الأميركية، أظهرت أنّ النساء اللواتي يواظبن على ممارسة الأنشطة البدنية خلال فترة الحمل، يتمتعن بنظرة أكثر إيجابية تجاه تغير شكل أجسامهنّ.

نوعية النشاط البدني المناسب: يمكننا أن نجرب نوعاً من التمارين التي تحسن درجة وعينا لأجسامنا، والطريقة التي نتحرك بها، مثل اليوغا، البيلاتس، والرقص. من جهة ثانية تقترح ريد الإلتحاق بمجموعات تمارس رياضات تتضمن نوعاً من المنافسة، مثل مجموعات الركض. وإذا كنا نشعر بالخجل يمكننا الإنضمام إلى مجموعات تقتصر على النساء (أو الرجال) فقط. وأن نكون بصحبة الآخرين يجعلنا نعي عن قرب التفاوت الكبير في أشكال وأحجام الأجسام. وفي جميع الأحوال، تحذر ريد من جعل مسألة حجم الجسم محوراً لممارسة الرياضة. وتنصح دائماً بتحديد أهداف لأنفسنا، من دون التركيز على الوزن.
لمزيد من التواصل مع موقع عالم المعرفة و التميز أضغط هنا و أنضم لصفحتنا على Facebook