|
|
"اضحك تضحك لك الدنيا"، اضحك يضحك قلبك، وأعصابك، وشرايينك ورئتاك ودماغك. الضحك درع وقاية طبيعية ممتازة تحمينا من أعداء صحتنا.
في كتاب "تحليل مرض، كما يراه المريض" الصادر في عام 1979، يقول مؤلفه الأميركي نورمان كوزينز، الذي كان مصاباً بمرض عُضال مؤلم جدّاً في مفاصله: إنّه بعد أن يئس من فاعلية العقاقير والأدوية لجأ إلى الضحك، ووصفه بأنّه أنجح علاج خضع له. وقال إنّه كان يواظب على مشاهدة الأفلام الهزلية، ويحيط نفسه بكل ما من شأنه خلق البهجة في نفسه. وتبين له أن 10 دقائق من الضحك الفعلي الذي يشغل عضلات البطن، يُحدث نتائج مماثلة تماماً لأقوى مسكنات الألم وأكثرها فاعلية، من دون تأثيراتها الجانبية الضارة.
وقد جاءت الدراسات العلمية لتؤكد ما قاله كوزينز. فالضحك يتمتع بخصائص مسكنة للألم، خاصة للآلام المزمنة، مثل آلام المفاصل والأوجاع الناتجة عن أمراض عصبية. ويعزو العلماء ذلك إلى دور الضحك في رفع مستويات الأندورفينات المخففة للألم في مجرى الدم.
والواقع أن مفعول الضحك وتأثيره في الصحة لا يتوقفان على تخفيف الألم، بل يتعديان ذلك ليشملا جوانب أخرى من صحتنا الجسدية والنفسية والذهنية. ونستعرض في ما يلي أبرز فوائد الضحك:
1- تعزيز صحة القلب والأوعية الدموية:
أفادت دراسة أجريت في جامعة لوما ليندا الأميركية، وشملت مجموعة من مرضى السكري المصابين بإرتفاع ضغط الدم، وإرتفاع مستويات الكوليسترول، أن مشاهدة أفلام أو برامج تلفزيونية فكاهية، لمدة نصف ساعة في اليوم، تساعد على رفع مستويات الكوليسترول المفيد، وخفض مستويات المواد المسببة للإلتهابات. وفي كلية الطب التابعة لجامعة ماريلاند الأميركية تبين أن ربع ساعة من الضحك يومياً يعزز إنسياب الدم في الأوعية الدموية، ما يسهم مع الوقت في الوقاية من مرض القلب. وقام البحاثة في هذه الدراسة بمراقبة وظائف الشرايين لدى المشاركين أثناء مشاهدتهم مقتطفات من فيلم فكاهي، وأخرى من فيلم حربي. وتبين أنّ الشرايين تتمدد بنسبة 22% عند مشاهدة البرنامج الهزلي، وتنقبض بنسبة 35% عند مشاهدة فيلم الحرب. والمعروف أن تمدد الأوعية يسمح بانسياب الدم بسهولة إلى أنحاء الجسم كافة، ما يخفف من الإجهاد الذي يتعرض له القلب والشرايين. ويعلق الدكتور مايكل ميلر، الذي أشرف على الدراسة، فيقول إنّ النتائج الإيجابية التي تم تسجيلها في الدراسة تعادل تلك التي نحصل عليها عند ممارسة تمارين الأيروبيكس. يضيف أنّ الضحك يسهم في إفراز أوكسيد النيتريك، وهو مادة كيميائية تريح خلايا الدم، وتحول دون إنسداد الشرايين بفعل الكوليسترول. كذلك فإنّه يسهم في إفراز الأندورفينات، وهي هورمونات تساعد في عملية ترميم الأوعية الدموية. والضحك ينشط وظائف الغشاء المبطن للأوعية الدموية، الذي يلامس الدم مباشرة وبشكل دائم، ومن وظائفه تنظيم عملية التخثر الدموية، وضبط سيولة الدم، وإفراز الجزيئات الضرورية لشفاء أي جروح أو تهيجات داخلية.
2- تقوية الجهاز المناعي: يقول أستاذ علم النفس الأميركي، البروفيسور كارل شارينتسكي، من جامعة ويلكس بار في ولاية بنسلفانيا: إنّ الضحك يساعد على رفع مستويات واحد من أبرز مضادات الأجسام، الذي يشكل الخط الدفاعي الأوّل للجسم في مواجهة الجراثيم. وكانت دراسة أجريت في جامعة ولاية إنديانا الأميركية قد أظهرت أن نشاط الخلايا الدفاعية الطبيعية في الجسم يرتفع لدى النساء اللواتي كن يضحكن أثناء مشاهدة فيلم فكاهي.
وفي دراسة أميركية أخرى أجريت في عام 2007 وشملت مجموعة مؤلفة من 18 مراهقاً ومراهقة، تبين أنّ القدرة على تحمل الألم كانت أكبر لدى أولئك المعتادين على مشاهدة البرامج الفكاهية. وتعلّق المتخصصة البريطانية كيت سافين، فتقول إنّ الضحك يزيد من إفراز الأندورفينات، التي تلعب دور مسكنات الألم الطبيعية في الجسم. وتوضح أنّ الأندورفينات هذه لا تغير الإحساس بالألم الفعلي في الأعصاب، بل تخفف من تركيز وتشديد الدماغ على أحاسيس الألم هذه. وفي دراسة فنلندية تبين أنّ نسبة الإصابة بالأمراض المعدية، لاسيما الرشح والإنفلونزا، تنخفض بشكل ملحوظ لدى الأشخاص الذين يكثرون من الإبتسام ومن الضحك، والذين يتميّزون بالتفاؤل مقارنة بالمتشائمين قليلي الضحك. ويؤكد المشرفون على الدراسة أنّ الضحك والتفاؤل يعززان من إنتاج الجسم الخلايا الدفاعية المقاتلة ومضادات الأجسام، خاصة تلك المركَّزة في الحنجرة. ويعلق البروفيسور شيلدون كوهين، من جامعة كارنيج ميلون الأميركية، فيقول: إنّ الدراسة التي أجراها وشملت 334 مشاركاً تؤكد تأثير الحالة النفسية للفرد في مقاومة الرشح والأمراض المعدية. فقد تبين له أنّ المشاركين المتفائلين بشكل عام كانوا أكثر مقاومة للأمراض، بغض النظر عن عاداتهم الصحية الأخرى.
ومن جهته يقول البروفيسور ريتشارد وايزمان، أستاذ علم النفس في جامعة هيرتفورشاير الأميركية: إنّ التجارب أثبتت أنّ الضحك لا يسهم فقط في تعزيز قدرات الجهاز المناعي في مكافحة الأمراض والعدوى، بل إنّه ينشط القلب ويزيد من ضرباته، ويرفع نسبة الأوكسجين في الدم، ويساعدنا على التنفس بعمق، ويمدد عضلات عدة مختلفة في وجهنا ورقبتنا وكتفينا، والجزء العلوي من جسمنا. وهو يشبهه بتمرين رياضي صغير، مع كل ما يحمل هذا الأخير من فوائد. وتجدر الإشارة هنا إلى أن ربع ساعة من الضحك يمكن أن يساعدنا على حرق حوالي 40 وحدة حرارية، وذلك كما جاء في تقرير نشرته مجلة "السمنة".
3- خفض مستويات سكر الدم والتخفيف من عوارض الحسّاسية: تبين في دراسة يابانية أجريت في عام 2003 وشملت 19 مصاباً بالسكري، أن مستويات الجلوكوز في الدم تسجل إنخفاصاً ملحوظاً لدى هؤلاء المشاركين، بعد مشاهدتهم برنامجاً تلفزيونياً فكاهياً. وجاء في أبحاث نشرتها مجلة "الأبحاث النفسية – الجسدية" الأميركية أنّ الضحك يرفع من مستويات هورمون الميلاتونين في حليب الأُم، ما يساعد على التخفيف من إمكانية إصابة الرضيع بالحسّاسية. وفي دراسة نشرتها مجلة الرابطة الطبية الأميركية في عام 2001، تبين أنّ عوارض الحسّاسية تراجعت بشكل ملحوظ لدى الأشخاص الذين شاهدوا برامج فكاهية، مقارنة بأولئك الذين اكتفوا بمشاهدة أحوال الطقس.
4- شدُّ عضلات الوجه: القلق المتواصل والتجهم يؤديان إلى هبوط العضلات المحيطة بالفم، على عكس الضحك الذي يرفعها، ويمنح الوجه مظهراً شاباً. وتعلق المتخصصة البريطانية إيفا فرايزر فتقول: إنّ عضلات الوجه تحتاج إلى تمرين وإلا فإنّها تترهل. وليس هناك أفضل من الضحك والإبتسام لتمرين عضلات الوجه، خاصة تلك التي تحيط بالفم والعينين، وشدها.
5- التخفيف من مستويات هورمونات التوتر: كل الدراسات التي أجريت حول الضحك، تؤكد أنّه يساعد على خفض مستويات هورمونات التوتر وعلى رأسها الكورتيزول، ويرفع مستويات الهورمونات التي تحسن الصحة العامة، مثل الأندورفينات. وقد تبين أنّ الضحك لمدة دقيقة واحدة يساعد على الشعور بالرضا والإرتياح لمدة ساعة تقريباً. وأفادت دراسة أجريت في جامعة إيرفين في ولاية كاليفورنيا، أن مجرد التفكير في الضحك يرفع مستويات المواد الكيميائية الطبيعية التي تساعد على الإسترخاء. فقد أظهر البحاثة أنّ مستويات الأندورفينات في أجسام الأشخاص، الذين كانوا يشاهدون برنامجهم الكوميدي المفضل، سجلت إرتفاعاً بنسبة 27%، وأنّ مستويات هورمون النمو (الذي يكافح عوارض الشيخوخة المبكرة) سجلت إرتفاعاً بنسبة 87% مقارنة بما كانت عليه لدى الأشخاص الذين اكتفوا بقراءة مجلة لمدة ساعة.
6- تعزيز القدرة على الإبتكار والإبداع: من المعروف أنّ العديد من أكثر الشخصيات إبداعاً في تاريخ البشرية كانوا يتمتعون بحس الفكاهة، ويحبون المزاح والهزل وإطلاق النكات والإستماع إليها. فليوناردو دافينشي مثلاً، كان يملأ سجلاته بالنكات، وبالقصص الفكاهية. وتشير سيرة حياة توماس أديسون إلى أنّه كان يضحك من قلبه وأن ضحكاته كانت صبيانية مرحة، وكان يتمتع بحس فكاهي مميّز. أمّا ألبيرت آينشتاين، فكان يحب أن يطلق النكات وسط الإجتماعات العلمية الجادة. والواقع أنّ الحس الفكاهي والضحك يشكلان عنصرين أساسيين لعيش حياة ممتعة، وهما وسيلتان قيمتان لرفع مستويات الإبداع والتفكير الفاعل. وأظهرت الدراسات أنّ الضحك وحس الفكاهة يستثيران وينشطان مناطق دماغية مسؤولة عن حل المشاكل وتنظيم المعلومات، وتنشيط هذه المناطق يجعلنا أكثر إبداعاً وأكثر فاعلية في العمل. ويعزو البحاثة ذلك إلى نظرية التنافر أو التعارض، التي تقول إننا نضحك على الأشياء التي تتعارض مع توقعاتنا أو تتحداها، وعلى العناصر التي تبدو شاذة وغريبة في مكانها، أو التي تتضمن معاني عدة. وتركيبة النكات تقودنا إلى مسار من التوقعات، ثمّ لا نلبث أن نفاجأ بالنتيجة التي لا تتماشى مع توقعاتنا. وفهم النكتة يتطلب منّا أن نوجه تفكيرنا في إتجاهات غير متوقعة. وهذا التنافر هو الذي يجعلنا نضحك. والواقع أننا نشهد شيئاً مشابهاً جدّاً عندما يتعلق الأمر بالتبصر والإبداع. ففي هذه الحالة، وبعد المضي في نمط تفكير معهود، نجد أنفسنا نقفز إلى فكرة غير متوقعة، ونخلق إرتباطاً مدهشاً ومفاجئاً. وقد أظهرت التجارب أنّ المنطقة الدماغية نفسها تنشط في الحالتين.
وفي دراسة أجريت في عام 2004، قام فريق من علماء النفس، يرأسه البروفيسور ويليام كيلي في جامعة دارتموث، بالطلب من المشاركين مشاهدة برنامج فكاهي، وقاموا بتسجيل نشاطهم الدماغي أثناء المشاهدة. وتبين لهم أنّه قبل ثانيتين من ضحك المشاركين على نكتة واردة في البرنامج (أي في الوقت الذي يُفترض بالدماغ أن يعمل على فهم النكتة)، يظهر نشاط دماغي في منطقة الدماغ نفسها، المسؤولة عن حل المشاكل والتنافر. وقد جاءت هذه النتائج لتقدم دعماً علمياً عصبياً لما كان علماء النفس يعرفونه منذ عقود، وهو أن سماع أو مشاهدة أعمال كوميدية يعزز قدرة الناس على الإبداع وحل المشاكل ويزيد من فاعليتهم في العمل. وبعد فهم النكتة، لاحظ البحاثة أثناء ضحك المشاركين واستمتاعهم بها، وجود نشاط في منطقة أخرى من أدمغتهم، وهي المنطقة المسؤولة عن نظام المكافآت. فقد تبين أنّ هذه المنطقة التي تساعد على إفراز وتنظيم مستويات هرمون الدوبامين الذي يجعلنا نشعر بالسعادة، تعمل بشكل ملحوظ أثناء الضحك، وتطلق موجة من المشاعر المفرحة عبر الأنظمة المختلفة في الجسم. كذلك فإنّ الضحك يحفز وينشط المدار العصبي الذي يساعد على تفسير واستيعاب الإنفعالات.
وفي دراسة نشرتها مجلة علم النفس التعليمي في عام 1976، طلب البروفيسور أفنير زيف من مجموعة من الطلاب في مدرسة ثانوية، الإستماع إلى تسجيل لبرنامج فكاهي قبل الخضوع لإختبار نموذجي يقيس القدرة على الإبتكار. وتبين له أن نتائج هؤلاء الطلاب، على مستوى الإبداع والأصالة ومرونة التفكير وتعدُّد الأفكار، كانت كلها أعلى بشكل ملحوظ من النتائج، التي سجلها الطلاب الآخرون الذين لم يستمعوا إلى البرنامج الفكاهي.
ومن جهته، يشير البروفيسور بول ماكغي، أستاذ علم النفس الأميركي المتخصص في دراسة الحس الفكاهي، إلى أنّ الإحصاءات التي أجراها في الشركات الكبيرة، تشير إلى أن 84% من الأشخاص الذين تم استجوابهم، يوافقون على أنّ الموظفين الذين يتمتعون بحس فكاهي هم أكثر فاعلية في عملهم. ويعلق ماكغي قائلاً: إنّ أصحاب الحس الفكاهي يكونون عادة أكثر ميلاً إلى الإبتكار، وأقل صلابة وتشدداً، وأكثر إستعداداً لقبول الأفكار والطرق الجديدة، وأخذها في الإعتبار. وهو ينصح الجميع بزيادة "جرعة" الضحك في حياتهم، عن طريق المواظبة على مشاهدة الأفلام والبرامج الفكاهية، وتسجيل النكات وتبادلها مع الأصدقاء والأقارب، والحرص على الوجود بصحبة الأشخاص المرحين.
في كتاب "تحليل مرض، كما يراه المريض" الصادر في عام 1979، يقول مؤلفه الأميركي نورمان كوزينز، الذي كان مصاباً بمرض عُضال مؤلم جدّاً في مفاصله: إنّه بعد أن يئس من فاعلية العقاقير والأدوية لجأ إلى الضحك، ووصفه بأنّه أنجح علاج خضع له. وقال إنّه كان يواظب على مشاهدة الأفلام الهزلية، ويحيط نفسه بكل ما من شأنه خلق البهجة في نفسه. وتبين له أن 10 دقائق من الضحك الفعلي الذي يشغل عضلات البطن، يُحدث نتائج مماثلة تماماً لأقوى مسكنات الألم وأكثرها فاعلية، من دون تأثيراتها الجانبية الضارة.
وقد جاءت الدراسات العلمية لتؤكد ما قاله كوزينز. فالضحك يتمتع بخصائص مسكنة للألم، خاصة للآلام المزمنة، مثل آلام المفاصل والأوجاع الناتجة عن أمراض عصبية. ويعزو العلماء ذلك إلى دور الضحك في رفع مستويات الأندورفينات المخففة للألم في مجرى الدم.
والواقع أن مفعول الضحك وتأثيره في الصحة لا يتوقفان على تخفيف الألم، بل يتعديان ذلك ليشملا جوانب أخرى من صحتنا الجسدية والنفسية والذهنية. ونستعرض في ما يلي أبرز فوائد الضحك:
1- تعزيز صحة القلب والأوعية الدموية:
أفادت دراسة أجريت في جامعة لوما ليندا الأميركية، وشملت مجموعة من مرضى السكري المصابين بإرتفاع ضغط الدم، وإرتفاع مستويات الكوليسترول، أن مشاهدة أفلام أو برامج تلفزيونية فكاهية، لمدة نصف ساعة في اليوم، تساعد على رفع مستويات الكوليسترول المفيد، وخفض مستويات المواد المسببة للإلتهابات. وفي كلية الطب التابعة لجامعة ماريلاند الأميركية تبين أن ربع ساعة من الضحك يومياً يعزز إنسياب الدم في الأوعية الدموية، ما يسهم مع الوقت في الوقاية من مرض القلب. وقام البحاثة في هذه الدراسة بمراقبة وظائف الشرايين لدى المشاركين أثناء مشاهدتهم مقتطفات من فيلم فكاهي، وأخرى من فيلم حربي. وتبين أنّ الشرايين تتمدد بنسبة 22% عند مشاهدة البرنامج الهزلي، وتنقبض بنسبة 35% عند مشاهدة فيلم الحرب. والمعروف أن تمدد الأوعية يسمح بانسياب الدم بسهولة إلى أنحاء الجسم كافة، ما يخفف من الإجهاد الذي يتعرض له القلب والشرايين. ويعلق الدكتور مايكل ميلر، الذي أشرف على الدراسة، فيقول إنّ النتائج الإيجابية التي تم تسجيلها في الدراسة تعادل تلك التي نحصل عليها عند ممارسة تمارين الأيروبيكس. يضيف أنّ الضحك يسهم في إفراز أوكسيد النيتريك، وهو مادة كيميائية تريح خلايا الدم، وتحول دون إنسداد الشرايين بفعل الكوليسترول. كذلك فإنّه يسهم في إفراز الأندورفينات، وهي هورمونات تساعد في عملية ترميم الأوعية الدموية. والضحك ينشط وظائف الغشاء المبطن للأوعية الدموية، الذي يلامس الدم مباشرة وبشكل دائم، ومن وظائفه تنظيم عملية التخثر الدموية، وضبط سيولة الدم، وإفراز الجزيئات الضرورية لشفاء أي جروح أو تهيجات داخلية.
2- تقوية الجهاز المناعي: يقول أستاذ علم النفس الأميركي، البروفيسور كارل شارينتسكي، من جامعة ويلكس بار في ولاية بنسلفانيا: إنّ الضحك يساعد على رفع مستويات واحد من أبرز مضادات الأجسام، الذي يشكل الخط الدفاعي الأوّل للجسم في مواجهة الجراثيم. وكانت دراسة أجريت في جامعة ولاية إنديانا الأميركية قد أظهرت أن نشاط الخلايا الدفاعية الطبيعية في الجسم يرتفع لدى النساء اللواتي كن يضحكن أثناء مشاهدة فيلم فكاهي.
وفي دراسة أميركية أخرى أجريت في عام 2007 وشملت مجموعة مؤلفة من 18 مراهقاً ومراهقة، تبين أنّ القدرة على تحمل الألم كانت أكبر لدى أولئك المعتادين على مشاهدة البرامج الفكاهية. وتعلّق المتخصصة البريطانية كيت سافين، فتقول إنّ الضحك يزيد من إفراز الأندورفينات، التي تلعب دور مسكنات الألم الطبيعية في الجسم. وتوضح أنّ الأندورفينات هذه لا تغير الإحساس بالألم الفعلي في الأعصاب، بل تخفف من تركيز وتشديد الدماغ على أحاسيس الألم هذه. وفي دراسة فنلندية تبين أنّ نسبة الإصابة بالأمراض المعدية، لاسيما الرشح والإنفلونزا، تنخفض بشكل ملحوظ لدى الأشخاص الذين يكثرون من الإبتسام ومن الضحك، والذين يتميّزون بالتفاؤل مقارنة بالمتشائمين قليلي الضحك. ويؤكد المشرفون على الدراسة أنّ الضحك والتفاؤل يعززان من إنتاج الجسم الخلايا الدفاعية المقاتلة ومضادات الأجسام، خاصة تلك المركَّزة في الحنجرة. ويعلق البروفيسور شيلدون كوهين، من جامعة كارنيج ميلون الأميركية، فيقول: إنّ الدراسة التي أجراها وشملت 334 مشاركاً تؤكد تأثير الحالة النفسية للفرد في مقاومة الرشح والأمراض المعدية. فقد تبين له أنّ المشاركين المتفائلين بشكل عام كانوا أكثر مقاومة للأمراض، بغض النظر عن عاداتهم الصحية الأخرى.
ومن جهته يقول البروفيسور ريتشارد وايزمان، أستاذ علم النفس في جامعة هيرتفورشاير الأميركية: إنّ التجارب أثبتت أنّ الضحك لا يسهم فقط في تعزيز قدرات الجهاز المناعي في مكافحة الأمراض والعدوى، بل إنّه ينشط القلب ويزيد من ضرباته، ويرفع نسبة الأوكسجين في الدم، ويساعدنا على التنفس بعمق، ويمدد عضلات عدة مختلفة في وجهنا ورقبتنا وكتفينا، والجزء العلوي من جسمنا. وهو يشبهه بتمرين رياضي صغير، مع كل ما يحمل هذا الأخير من فوائد. وتجدر الإشارة هنا إلى أن ربع ساعة من الضحك يمكن أن يساعدنا على حرق حوالي 40 وحدة حرارية، وذلك كما جاء في تقرير نشرته مجلة "السمنة".
3- خفض مستويات سكر الدم والتخفيف من عوارض الحسّاسية: تبين في دراسة يابانية أجريت في عام 2003 وشملت 19 مصاباً بالسكري، أن مستويات الجلوكوز في الدم تسجل إنخفاصاً ملحوظاً لدى هؤلاء المشاركين، بعد مشاهدتهم برنامجاً تلفزيونياً فكاهياً. وجاء في أبحاث نشرتها مجلة "الأبحاث النفسية – الجسدية" الأميركية أنّ الضحك يرفع من مستويات هورمون الميلاتونين في حليب الأُم، ما يساعد على التخفيف من إمكانية إصابة الرضيع بالحسّاسية. وفي دراسة نشرتها مجلة الرابطة الطبية الأميركية في عام 2001، تبين أنّ عوارض الحسّاسية تراجعت بشكل ملحوظ لدى الأشخاص الذين شاهدوا برامج فكاهية، مقارنة بأولئك الذين اكتفوا بمشاهدة أحوال الطقس.
4- شدُّ عضلات الوجه: القلق المتواصل والتجهم يؤديان إلى هبوط العضلات المحيطة بالفم، على عكس الضحك الذي يرفعها، ويمنح الوجه مظهراً شاباً. وتعلق المتخصصة البريطانية إيفا فرايزر فتقول: إنّ عضلات الوجه تحتاج إلى تمرين وإلا فإنّها تترهل. وليس هناك أفضل من الضحك والإبتسام لتمرين عضلات الوجه، خاصة تلك التي تحيط بالفم والعينين، وشدها.
5- التخفيف من مستويات هورمونات التوتر: كل الدراسات التي أجريت حول الضحك، تؤكد أنّه يساعد على خفض مستويات هورمونات التوتر وعلى رأسها الكورتيزول، ويرفع مستويات الهورمونات التي تحسن الصحة العامة، مثل الأندورفينات. وقد تبين أنّ الضحك لمدة دقيقة واحدة يساعد على الشعور بالرضا والإرتياح لمدة ساعة تقريباً. وأفادت دراسة أجريت في جامعة إيرفين في ولاية كاليفورنيا، أن مجرد التفكير في الضحك يرفع مستويات المواد الكيميائية الطبيعية التي تساعد على الإسترخاء. فقد أظهر البحاثة أنّ مستويات الأندورفينات في أجسام الأشخاص، الذين كانوا يشاهدون برنامجهم الكوميدي المفضل، سجلت إرتفاعاً بنسبة 27%، وأنّ مستويات هورمون النمو (الذي يكافح عوارض الشيخوخة المبكرة) سجلت إرتفاعاً بنسبة 87% مقارنة بما كانت عليه لدى الأشخاص الذين اكتفوا بقراءة مجلة لمدة ساعة.
6- تعزيز القدرة على الإبتكار والإبداع: من المعروف أنّ العديد من أكثر الشخصيات إبداعاً في تاريخ البشرية كانوا يتمتعون بحس الفكاهة، ويحبون المزاح والهزل وإطلاق النكات والإستماع إليها. فليوناردو دافينشي مثلاً، كان يملأ سجلاته بالنكات، وبالقصص الفكاهية. وتشير سيرة حياة توماس أديسون إلى أنّه كان يضحك من قلبه وأن ضحكاته كانت صبيانية مرحة، وكان يتمتع بحس فكاهي مميّز. أمّا ألبيرت آينشتاين، فكان يحب أن يطلق النكات وسط الإجتماعات العلمية الجادة. والواقع أنّ الحس الفكاهي والضحك يشكلان عنصرين أساسيين لعيش حياة ممتعة، وهما وسيلتان قيمتان لرفع مستويات الإبداع والتفكير الفاعل. وأظهرت الدراسات أنّ الضحك وحس الفكاهة يستثيران وينشطان مناطق دماغية مسؤولة عن حل المشاكل وتنظيم المعلومات، وتنشيط هذه المناطق يجعلنا أكثر إبداعاً وأكثر فاعلية في العمل. ويعزو البحاثة ذلك إلى نظرية التنافر أو التعارض، التي تقول إننا نضحك على الأشياء التي تتعارض مع توقعاتنا أو تتحداها، وعلى العناصر التي تبدو شاذة وغريبة في مكانها، أو التي تتضمن معاني عدة. وتركيبة النكات تقودنا إلى مسار من التوقعات، ثمّ لا نلبث أن نفاجأ بالنتيجة التي لا تتماشى مع توقعاتنا. وفهم النكتة يتطلب منّا أن نوجه تفكيرنا في إتجاهات غير متوقعة. وهذا التنافر هو الذي يجعلنا نضحك. والواقع أننا نشهد شيئاً مشابهاً جدّاً عندما يتعلق الأمر بالتبصر والإبداع. ففي هذه الحالة، وبعد المضي في نمط تفكير معهود، نجد أنفسنا نقفز إلى فكرة غير متوقعة، ونخلق إرتباطاً مدهشاً ومفاجئاً. وقد أظهرت التجارب أنّ المنطقة الدماغية نفسها تنشط في الحالتين.
وفي دراسة أجريت في عام 2004، قام فريق من علماء النفس، يرأسه البروفيسور ويليام كيلي في جامعة دارتموث، بالطلب من المشاركين مشاهدة برنامج فكاهي، وقاموا بتسجيل نشاطهم الدماغي أثناء المشاهدة. وتبين لهم أنّه قبل ثانيتين من ضحك المشاركين على نكتة واردة في البرنامج (أي في الوقت الذي يُفترض بالدماغ أن يعمل على فهم النكتة)، يظهر نشاط دماغي في منطقة الدماغ نفسها، المسؤولة عن حل المشاكل والتنافر. وقد جاءت هذه النتائج لتقدم دعماً علمياً عصبياً لما كان علماء النفس يعرفونه منذ عقود، وهو أن سماع أو مشاهدة أعمال كوميدية يعزز قدرة الناس على الإبداع وحل المشاكل ويزيد من فاعليتهم في العمل. وبعد فهم النكتة، لاحظ البحاثة أثناء ضحك المشاركين واستمتاعهم بها، وجود نشاط في منطقة أخرى من أدمغتهم، وهي المنطقة المسؤولة عن نظام المكافآت. فقد تبين أنّ هذه المنطقة التي تساعد على إفراز وتنظيم مستويات هرمون الدوبامين الذي يجعلنا نشعر بالسعادة، تعمل بشكل ملحوظ أثناء الضحك، وتطلق موجة من المشاعر المفرحة عبر الأنظمة المختلفة في الجسم. كذلك فإنّ الضحك يحفز وينشط المدار العصبي الذي يساعد على تفسير واستيعاب الإنفعالات.
وفي دراسة نشرتها مجلة علم النفس التعليمي في عام 1976، طلب البروفيسور أفنير زيف من مجموعة من الطلاب في مدرسة ثانوية، الإستماع إلى تسجيل لبرنامج فكاهي قبل الخضوع لإختبار نموذجي يقيس القدرة على الإبتكار. وتبين له أن نتائج هؤلاء الطلاب، على مستوى الإبداع والأصالة ومرونة التفكير وتعدُّد الأفكار، كانت كلها أعلى بشكل ملحوظ من النتائج، التي سجلها الطلاب الآخرون الذين لم يستمعوا إلى البرنامج الفكاهي.
ومن جهته، يشير البروفيسور بول ماكغي، أستاذ علم النفس الأميركي المتخصص في دراسة الحس الفكاهي، إلى أنّ الإحصاءات التي أجراها في الشركات الكبيرة، تشير إلى أن 84% من الأشخاص الذين تم استجوابهم، يوافقون على أنّ الموظفين الذين يتمتعون بحس فكاهي هم أكثر فاعلية في عملهم. ويعلق ماكغي قائلاً: إنّ أصحاب الحس الفكاهي يكونون عادة أكثر ميلاً إلى الإبتكار، وأقل صلابة وتشدداً، وأكثر إستعداداً لقبول الأفكار والطرق الجديدة، وأخذها في الإعتبار. وهو ينصح الجميع بزيادة "جرعة" الضحك في حياتهم، عن طريق المواظبة على مشاهدة الأفلام والبرامج الفكاهية، وتسجيل النكات وتبادلها مع الأصدقاء والأقارب، والحرص على الوجود بصحبة الأشخاص المرحين.
|
|