|
|

لماذا يبدو أن بعض الأشخاص عرضة للإكتئاب أكثر من غيرهم؟ الظروف المحيطة لا تفسر كل شيء، فالأمر يتعلق كثيراً بالشخصية، وبالموروثات أيضاً.
يتقاطع البحث العلمي مع الحدس أحياناً، فكل الدراسات تبين أن خطر الإصابة بالإكتئاب يتزايد عندما ينخفض الدخل، ولا يبدو هذا إكتشافاً مهماً، لكنه يؤكد أهمية ظروف الحياة في ظهور هذا المرض. وبالتالي يجب البحث في الظروف المحيطة لمعرفة ماهية الأسباب التي من أجلها تصاب النساء بالإحباط أكثر من الرجال بمرتين؟
يدرس علماء النفس والمجتمع هذا الأمر جدّياً، ولوحظ على الصعيد الإجتماعي أن للنساء بشكل عام دوراً أقل خطوة في كنف العائلة وأنهنّ يعانين من التمييز (Discrimination) أكثر في مجال العمل. لكن الخبراء يصرحون أن ظروف الحياة وحدها ليست كافية لتفسير كل شيء. فيبدو أن لشخصية الفرد دوراً لا يقل أهمية عن الدور الذي تلعبه الظروف المحيطة من حيث ظهور أعراض الإكتئاب أو عدمه. ففي حين يتجاوز بعض الأشخاص أزمة طلاق مروعة دون أن يفقدوا رباطة جأشهم، نجد البعض الآخر ينهارون لمجرد خلافات زوجية. فما الذي يقي الأولين ويعمل على إنهيار الآخرين؟
من الصعب إيجاد الجواب على هذا، لكن علماء النفس يجمعون على الإعتراف بأنّ المرء يصبح إكتئابياً بسهولة أكبر عندما يكون لديه ميل إلى أن يرد سبب هذه الإخفاقات لفقدان كفاءته الشخصية أكثر مما هو الأمر مع الأسباب الخارجية. بإختصار، ليس من المفيد تناول الأمر بهذه البساطة، ولا أن نرد هذه الإخفاقات لأسباب شاملة لن تتغير مع الوقت.
إنّ دراسة جازيل (Gazel) التي تتابع الحالة الصحية لعشرين ألف عنصر متطوع من شركة كهرباء وغاز فرنسا منذ العام 1989 قدمت بشكل غير منتظر مجالات أخرى جديرة بالإهتمام. في الحقيقة، لقد كشفت هذه الدراسة عن أنّ الجانب النفسي، بغض النظر عن الجنس، لديه الإستعداد أيضاً للتعرض للأعراض الإكتئابية. كانت الدراسة تتعلق بأشخاص مفرطي الفعالية بل ونافدي الصبر وعدوانيين وتواقين للمنافسة والنجاح ويبحثون عن إعتراف المجتمع. (سيرة مرضية profil يصفها العلماء بـ"نمط A") لكن لماذا هم أكثر إفتقاداً للمنعة؟
يفترض علماء النفس أن هؤلاء الأفراد يميلون للتركيز على أهداف أعلى مما عند الآخرين، وبالتالي يواجهون ظروفاً صعبة أكثر منهم. لكنه من الممكن أيضاً أن يكون نشاطهم المفرط وحاجتهم المبالغة لإتقان كل شيء بسبب إضطرابات إكتئابية مستترة وليس نتيجة لها، وبالتالي يتخذ سلوكهم شكل آلية دفاعية. لكن ما نراه أنّ القناعات في هذا الشأن لا تزال ضعيفة.
- نقص بالسيروتونين:
تبدو أهمية التجارب المعاشة طيلة فترة الطفولة المبكرة راسخة أكثر. وهناك دراسات كثيرة لإثبات أنّ الأطفال الذين لاقوا معاملة سيِّئة، وضحايا الإعتداءات الجنسية، أو ببساطة كانوا قد عاشوا ظروفاً مادية وعاطفية متزعزعة يكونون أكثر ميلاً من غيرهم للمعاناة من الإكتئاب. فهل يكون البحث عن أسباب المرض في المحيط العائلي إذن؟ لأكثر من سبب، الأرقام تشير بوضوح إلى أنّ الأطفال الذين عانى أحد أبويهم من إكتئاب، يكونون معرضين لأن يصبحوا هم بدورهم إكتئابيين لاحقاً زيادة عن غيرهم بـ 1.5 إلى 3 مرّات وأكثر من 80% من بينهم يكون لديهم على الأقل إضطراب في المزاج – ليس بالضرورة أن يكون دراماتيكياً – لكنه يكون ملحوظاً خلال حياتهم وخاصة إذا كانت الأُم هي الإكتئابية وكان هذا الإكتئاب بعد ولادي أي نجم بعد بضعة أشهر من الولادة، لأن خلل العلاقة بين الأُم والرضيع يضعف شخصية هذا الأخير. علاوة على هذا الميراث الذي يمكن أن يقال عنه إنّه ثقافي، هل يمكن لهذه "القدرية الأسرية" أن تفسر من خلال عوامل وراثية؟ إنّ علماء النفس مقتنعون بصحة هذا، طالما أنّ الأدلة كثيرة بهذا الصدد. إنّ الأطفال المولودين من أبوين كان قد أصابهما إكتئاب في فترة سابقة من حياتهم وقد تم تبنيهم من قِبَل أبوين لم يكونا قد أصيبا بمثل هذه الأعراض، يميل هؤلاء الأطفال بدورهم للإكتئاب أكثر من غيرهم. وفي حالة الأشقاء التوائم، عندما يصاب الأوّل بإكتئاب، يكون إحتمال إصابة الثاني وارداً أيضاً خلال حياته، ويكون الإحتمال أكبر في حالة التوائم الحقيقية (Homozygotes) (حيث يتقاسمون الميراث الوراثي نفسه بدقة بالغة) منه في حالة التوائم الكاذبة، إلا أننا لم نعرف حتى الآن ما الموروثات المعنية بهذا الأمر.
- الخلايا العصبية مصابة:
إنّ التقدم الذي تحقق في مجال تقنيات التصوير الدماغي في السنوات الأخيرة، قد كشف عن غرائب جديدة في دماغ الأشخاص الإكتئابيين، إذ إنّ المنطقة الدماغية البعيدة الواقعة على مستوى الجبهة تكون عامة أقل نشاطاً، كما أن واحدة من المناطق (التي تدعى القشرة العنقية) حيث نجد فيها ضموراً واضحاً، وهي التي تتحكم بإستجاباتنا الإنفعالية، وتكون أيضاً منطقة الحصين (Hippocampe) الأكثر إبتعاداً في الدماغ هي الأخرى أكثر تراجعاً، ويكون هذا التراجع أكبر بقدر ما تطول فترة الإكتئاب عند الشخص. سابقاً كانت منطقة الحصين تعتبر مسؤولة عن التعلم وتخزين المعلومات بشكل خاص. لكن منذ فترة قريبة بدأنا نشتبه بأنّها تلعب أيضاً دوراً كبيراً في توجيه مزاجنا، ولكن لماذا ضمرت عند الأشخاص الإكتئابيين؟ ويتساءل علماء البيولوجيا العصبية ما إذا كنّا سنجد لاحقاً الأضرار التي تسببها مختلف الهرمونات المحدثة للإرهاق (Stress) مثل الكورتيزول الذي يطلق في الجسم عندما يتعرض لهجوم، ويتحضر للدفاع عن نفسه، وفي الحقيقة توجد هذه الهرمونات بأكبر كميات لها عند الأشخاص الإكتئابيين.. مما يؤكد على الأقل الإستنتاج القائل، إنّ الإرهاق أمر حسن للدلالة على إبتداء مرض الكآبة.
لقد أثبت مختلف الباحثين أنّ هذه الهرمونات المحررة في الجسم بسبب الإرهاق تكون سامة للخلايا العصبية إذا ما دامت لزمن طويل، ثمّ ينتهي بها الأمر بأن يكبح نموها بل يتوقف تماماً، في بعض المناطق الدماغية مثل الحصين، حينها لن تستطيع هذه الأخيرة أن تعمل بصورة صحيحة، فهل يعود السبب في الإكتئاب إلى فرط إفراز الكورتيزول الذي يؤدي إلى فقدان كبير في الخلايا العصبية في منطقة الحصين؟ هناك آمال كبير تعتقد الآن على هذا الأمر.
وهذا يوحي من ناحية بأن توقف توالد الخلايا العصبية هو المسؤول عن حدوث الإكتئاب. ولكنه يفسر من ناحية أخرى أيضاً لماذا مضادات الإكتئاب هذه تأخذ زمناً طويلاً – من ثلاثة إلى أربعة أسابيع – لتنتج أدنى تأثير لها في المزاج؟ وبينما ترفع هذه المضادات معدل السيروتونين بسرعة، وهذه المدة تتناسب مع الزن اللازم لإنتاج خلايا عصبية جديدة، وبالتالي يؤخر التداعي القدري الذي يقود دماغنا للإستسلام لأفكار محزنة.
مضادات الإكتئاب والعلاج النفسي هما أهم طريقتين حالياً للخروج من هذا المرض، هذا أضعف الإيمان لأنّه إذا ما أثبتت كلا الطريقتين جدارتهما يبقى خطر الإنتكاس قائماً لنصف الحالات... مضادات الإكتئاب من جهة، والعلاج النفسي من جهة ثانية، وحول هذين المنطقين المختلفين تتركز هذه العلاجات منذ نصف قرن، ومن ناحية المضادات الدوائية فهي تقوم على مبدأ أنّ الإكتئاب ناتج عن إضطرابات كيمياوية داخل الدماغ.
* هل الإكتئاب مفيد؟
إنّ هذا السؤال جدير بالطرح في الحقيقة، لأنّه إذا كان للإكتئاب بالغ الضرر على الأشخاص، فكيف نفسر إذن لماذا لم يتم التخلص منه خلال سيرورة تطوّر الإنسان؟ فالحيوانات التي لا تستطيع الهرب أو مواجهة مشكلة ما، ينتهي بها الأمر عادة إلى أن لا تفعل شيئاً إزاء هذه المشكلة. وهذه الحالة تشبه حالة الإكتئاب عند الإنسان إلى حد كبير، لكن هذا الخنوع عند عالم الحيوان قد يضع حداً للصراع على السيادة، هذا الصراع الذي يفتك بالقطيع. إنّ إكتئاب العناصر الأكثر خضوعاً ينقذ تلاحم الجماعة، ولدى الإنسان يكون الإكتئاب نسبياً هو رد الفعل حيال عجزه عن بلوغ المنزلة المرغوبة، وبالتالي، فإنّ الإكتئاب يسمح للخاسر أن يضع نفسه خارج المنافسة تجنباً لمعاناة دائمة بسبب الصراعات العقيمة.
يتقاطع البحث العلمي مع الحدس أحياناً، فكل الدراسات تبين أن خطر الإصابة بالإكتئاب يتزايد عندما ينخفض الدخل، ولا يبدو هذا إكتشافاً مهماً، لكنه يؤكد أهمية ظروف الحياة في ظهور هذا المرض. وبالتالي يجب البحث في الظروف المحيطة لمعرفة ماهية الأسباب التي من أجلها تصاب النساء بالإحباط أكثر من الرجال بمرتين؟
يدرس علماء النفس والمجتمع هذا الأمر جدّياً، ولوحظ على الصعيد الإجتماعي أن للنساء بشكل عام دوراً أقل خطوة في كنف العائلة وأنهنّ يعانين من التمييز (Discrimination) أكثر في مجال العمل. لكن الخبراء يصرحون أن ظروف الحياة وحدها ليست كافية لتفسير كل شيء. فيبدو أن لشخصية الفرد دوراً لا يقل أهمية عن الدور الذي تلعبه الظروف المحيطة من حيث ظهور أعراض الإكتئاب أو عدمه. ففي حين يتجاوز بعض الأشخاص أزمة طلاق مروعة دون أن يفقدوا رباطة جأشهم، نجد البعض الآخر ينهارون لمجرد خلافات زوجية. فما الذي يقي الأولين ويعمل على إنهيار الآخرين؟
من الصعب إيجاد الجواب على هذا، لكن علماء النفس يجمعون على الإعتراف بأنّ المرء يصبح إكتئابياً بسهولة أكبر عندما يكون لديه ميل إلى أن يرد سبب هذه الإخفاقات لفقدان كفاءته الشخصية أكثر مما هو الأمر مع الأسباب الخارجية. بإختصار، ليس من المفيد تناول الأمر بهذه البساطة، ولا أن نرد هذه الإخفاقات لأسباب شاملة لن تتغير مع الوقت.
إنّ دراسة جازيل (Gazel) التي تتابع الحالة الصحية لعشرين ألف عنصر متطوع من شركة كهرباء وغاز فرنسا منذ العام 1989 قدمت بشكل غير منتظر مجالات أخرى جديرة بالإهتمام. في الحقيقة، لقد كشفت هذه الدراسة عن أنّ الجانب النفسي، بغض النظر عن الجنس، لديه الإستعداد أيضاً للتعرض للأعراض الإكتئابية. كانت الدراسة تتعلق بأشخاص مفرطي الفعالية بل ونافدي الصبر وعدوانيين وتواقين للمنافسة والنجاح ويبحثون عن إعتراف المجتمع. (سيرة مرضية profil يصفها العلماء بـ"نمط A") لكن لماذا هم أكثر إفتقاداً للمنعة؟
يفترض علماء النفس أن هؤلاء الأفراد يميلون للتركيز على أهداف أعلى مما عند الآخرين، وبالتالي يواجهون ظروفاً صعبة أكثر منهم. لكنه من الممكن أيضاً أن يكون نشاطهم المفرط وحاجتهم المبالغة لإتقان كل شيء بسبب إضطرابات إكتئابية مستترة وليس نتيجة لها، وبالتالي يتخذ سلوكهم شكل آلية دفاعية. لكن ما نراه أنّ القناعات في هذا الشأن لا تزال ضعيفة.
- نقص بالسيروتونين:
تبدو أهمية التجارب المعاشة طيلة فترة الطفولة المبكرة راسخة أكثر. وهناك دراسات كثيرة لإثبات أنّ الأطفال الذين لاقوا معاملة سيِّئة، وضحايا الإعتداءات الجنسية، أو ببساطة كانوا قد عاشوا ظروفاً مادية وعاطفية متزعزعة يكونون أكثر ميلاً من غيرهم للمعاناة من الإكتئاب. فهل يكون البحث عن أسباب المرض في المحيط العائلي إذن؟ لأكثر من سبب، الأرقام تشير بوضوح إلى أنّ الأطفال الذين عانى أحد أبويهم من إكتئاب، يكونون معرضين لأن يصبحوا هم بدورهم إكتئابيين لاحقاً زيادة عن غيرهم بـ 1.5 إلى 3 مرّات وأكثر من 80% من بينهم يكون لديهم على الأقل إضطراب في المزاج – ليس بالضرورة أن يكون دراماتيكياً – لكنه يكون ملحوظاً خلال حياتهم وخاصة إذا كانت الأُم هي الإكتئابية وكان هذا الإكتئاب بعد ولادي أي نجم بعد بضعة أشهر من الولادة، لأن خلل العلاقة بين الأُم والرضيع يضعف شخصية هذا الأخير. علاوة على هذا الميراث الذي يمكن أن يقال عنه إنّه ثقافي، هل يمكن لهذه "القدرية الأسرية" أن تفسر من خلال عوامل وراثية؟ إنّ علماء النفس مقتنعون بصحة هذا، طالما أنّ الأدلة كثيرة بهذا الصدد. إنّ الأطفال المولودين من أبوين كان قد أصابهما إكتئاب في فترة سابقة من حياتهم وقد تم تبنيهم من قِبَل أبوين لم يكونا قد أصيبا بمثل هذه الأعراض، يميل هؤلاء الأطفال بدورهم للإكتئاب أكثر من غيرهم. وفي حالة الأشقاء التوائم، عندما يصاب الأوّل بإكتئاب، يكون إحتمال إصابة الثاني وارداً أيضاً خلال حياته، ويكون الإحتمال أكبر في حالة التوائم الحقيقية (Homozygotes) (حيث يتقاسمون الميراث الوراثي نفسه بدقة بالغة) منه في حالة التوائم الكاذبة، إلا أننا لم نعرف حتى الآن ما الموروثات المعنية بهذا الأمر.
- الخلايا العصبية مصابة:
إنّ التقدم الذي تحقق في مجال تقنيات التصوير الدماغي في السنوات الأخيرة، قد كشف عن غرائب جديدة في دماغ الأشخاص الإكتئابيين، إذ إنّ المنطقة الدماغية البعيدة الواقعة على مستوى الجبهة تكون عامة أقل نشاطاً، كما أن واحدة من المناطق (التي تدعى القشرة العنقية) حيث نجد فيها ضموراً واضحاً، وهي التي تتحكم بإستجاباتنا الإنفعالية، وتكون أيضاً منطقة الحصين (Hippocampe) الأكثر إبتعاداً في الدماغ هي الأخرى أكثر تراجعاً، ويكون هذا التراجع أكبر بقدر ما تطول فترة الإكتئاب عند الشخص. سابقاً كانت منطقة الحصين تعتبر مسؤولة عن التعلم وتخزين المعلومات بشكل خاص. لكن منذ فترة قريبة بدأنا نشتبه بأنّها تلعب أيضاً دوراً كبيراً في توجيه مزاجنا، ولكن لماذا ضمرت عند الأشخاص الإكتئابيين؟ ويتساءل علماء البيولوجيا العصبية ما إذا كنّا سنجد لاحقاً الأضرار التي تسببها مختلف الهرمونات المحدثة للإرهاق (Stress) مثل الكورتيزول الذي يطلق في الجسم عندما يتعرض لهجوم، ويتحضر للدفاع عن نفسه، وفي الحقيقة توجد هذه الهرمونات بأكبر كميات لها عند الأشخاص الإكتئابيين.. مما يؤكد على الأقل الإستنتاج القائل، إنّ الإرهاق أمر حسن للدلالة على إبتداء مرض الكآبة.
لقد أثبت مختلف الباحثين أنّ هذه الهرمونات المحررة في الجسم بسبب الإرهاق تكون سامة للخلايا العصبية إذا ما دامت لزمن طويل، ثمّ ينتهي بها الأمر بأن يكبح نموها بل يتوقف تماماً، في بعض المناطق الدماغية مثل الحصين، حينها لن تستطيع هذه الأخيرة أن تعمل بصورة صحيحة، فهل يعود السبب في الإكتئاب إلى فرط إفراز الكورتيزول الذي يؤدي إلى فقدان كبير في الخلايا العصبية في منطقة الحصين؟ هناك آمال كبير تعتقد الآن على هذا الأمر.
وهذا يوحي من ناحية بأن توقف توالد الخلايا العصبية هو المسؤول عن حدوث الإكتئاب. ولكنه يفسر من ناحية أخرى أيضاً لماذا مضادات الإكتئاب هذه تأخذ زمناً طويلاً – من ثلاثة إلى أربعة أسابيع – لتنتج أدنى تأثير لها في المزاج؟ وبينما ترفع هذه المضادات معدل السيروتونين بسرعة، وهذه المدة تتناسب مع الزن اللازم لإنتاج خلايا عصبية جديدة، وبالتالي يؤخر التداعي القدري الذي يقود دماغنا للإستسلام لأفكار محزنة.
مضادات الإكتئاب والعلاج النفسي هما أهم طريقتين حالياً للخروج من هذا المرض، هذا أضعف الإيمان لأنّه إذا ما أثبتت كلا الطريقتين جدارتهما يبقى خطر الإنتكاس قائماً لنصف الحالات... مضادات الإكتئاب من جهة، والعلاج النفسي من جهة ثانية، وحول هذين المنطقين المختلفين تتركز هذه العلاجات منذ نصف قرن، ومن ناحية المضادات الدوائية فهي تقوم على مبدأ أنّ الإكتئاب ناتج عن إضطرابات كيمياوية داخل الدماغ.
* هل الإكتئاب مفيد؟
إنّ هذا السؤال جدير بالطرح في الحقيقة، لأنّه إذا كان للإكتئاب بالغ الضرر على الأشخاص، فكيف نفسر إذن لماذا لم يتم التخلص منه خلال سيرورة تطوّر الإنسان؟ فالحيوانات التي لا تستطيع الهرب أو مواجهة مشكلة ما، ينتهي بها الأمر عادة إلى أن لا تفعل شيئاً إزاء هذه المشكلة. وهذه الحالة تشبه حالة الإكتئاب عند الإنسان إلى حد كبير، لكن هذا الخنوع عند عالم الحيوان قد يضع حداً للصراع على السيادة، هذا الصراع الذي يفتك بالقطيع. إنّ إكتئاب العناصر الأكثر خضوعاً ينقذ تلاحم الجماعة، ولدى الإنسان يكون الإكتئاب نسبياً هو رد الفعل حيال عجزه عن بلوغ المنزلة المرغوبة، وبالتالي، فإنّ الإكتئاب يسمح للخاسر أن يضع نفسه خارج المنافسة تجنباً لمعاناة دائمة بسبب الصراعات العقيمة.
|
|