حب مخبوء/ قصة قصيرة


مثل كل زوجين، يحدث أن أتشاجر مع غادة لأسباب كثيرة، بينها ما هو أساسي ومنطقي، وبينما ما هو تافه ولا يستحق أن أجعل منه قضية. لكن خبراء شؤون القلب يؤكدون أنّ الخلافات، أو النّقار، هو ملح الحياة الزوجية. وأنا أحب الملوحة كثيراً وأفضّلها على الحلاوة، وأستطيع الإمتناع عن العسل، لكنني لا أستغني عن الطُّرشي.
تَزعَل غادة منّي، وقد تقاطعني وتَنْزوي وتذرف الدموع. لكن دواءها عندي، وهو سحبها إلى الفراش والإقتراب منها بلا كلام، ولا أخذ ورَدّ، ومنحها الحُب الذي ترتوي به كل امرأة. إنّ مطر الحب يُنعش غادة ويُعيد الإبتسامة إلى وجهها، ويضعها على سكّة حياتنا من جديد، مثل قاطرة خرجت من المصنَع للتو وراحت تطلق صفيرها. وأنا رجل يعشق صفير المرأة في البيت، وضوضاءها، وضحكاتها، وقرقعة الصحون والقُدر في المطبخ، وصوت التلفزيون دائراً، حتى لو لم يكن هناك مَن يجلس أمامه، كما أحب ثرثرة زوجتي في الهاتف مع شقيقاتها وصديقاتها.. بخلاف معظم الأزواج.
حين تزعل مني غادة فإنّها تَدخُل في نوبة من الصمت. وهو الصمت الذي يمزّق أعصابي ويرفع من درجة توتّري وحدّة عباراتي. لكنها امرأة عنيدة لا تَرضَى بعبارات الإعتذار، ولا ينتهي صمتها إلا عندما تتأوّه حباً. ولهذا فإنني لا آخذ غضبها مني على محمَل الجدّ، مادامت المياه تعود إلى مجاريها في المَخْدَع. لماذا سمّوه هكذا؟ ألأنّه المكان الذي تُجرَى فيه الخديعة؟!
هناك أمور كثيرة تبقى من أسرار كل رجل وامرأة. وأنا سعيد بأن ليكون لي مع غادة هذا السر الذي نتقاسمه ولا نبوح به لأيٍّ كان. فنحن مخلوقان "فراشيّان" إن صح التعبير. نتصارع على اليابسة ونتصالح في اللجّة.. بعد أن تسقط أوراق التوت ويبقى كل واحد منّا مكشوف المشاعر أمام الآخر.. غير قادر على التمويه ولا على افتعال الخصام أو التمترُس وراء جدار الغضب. إنّ الجدران كلها تسقط في غرفة النوم، وتعود زوجتي خاتماً طَوْع بناني، تحبني وتطيعني وتُعبّر لي، بالفعل لا بالقول، عن تعلّقها بي وعرفانها لحُبي.
لكن نشوة الإنسجام تزول بسرعة. ويحدث أن يعود صوتي إلى الإرتفاع، حالما أنتهي من تدخين سيجارتي.. كما يحدث أن تدخُل غادة في نوبة صمتها، وتدير ظهرها لكي لا تُبادلني الكلام. فهل نحن طبيعيان أم نعاني حالة انفصام الشخصية؟ وكيف أحفظ العلاقة هادئة مع زوجتي ونحن في الصالون، وفي المطبخ، وفي الشُّرفة، مثلما هي حالنا ونحن في غرفتنا؟ هل يمكن لزوجين أن يتعايشا بشكل تحريري وليس شفاهياً؟ هل يمكن لجسدينا أن يَنُوبَا عنّا في الكلام اليومي وما يتبعه من نقار؟
منذ أن اقترنت بفؤاد وشخصيتي في تبدُّل جذري، كأنني صرت إنسانة أخرى، أراقبها وأتتبَّع حركاتها ولا أكاد أعرفها. كيف وافقت، بإرادة منّي أو من دون إرادة، على أن أتحوّل إلى دمية آلية يحرّكها بـ"الريموت كونترول"، يصرخ فيها ويُغضبها ويستهين بمشاعرها، ثمّ يستدعيها في آخر النهار لكي يسترضيها في غرفة النوم، فتستجيب له وتنسى ما فات..؟ هل يحبني فؤاد تحت اللحاف فحسب، ولا يحمل لي المشاعر الدافئة ذاتها، فوقه؟
إنّه يعود من عمله سيئ المزاج غالباً، بل إنّ سوء المزاج يبدأ معه منذ لحظة استيقاظه في الصباح. ولا تفلح فناجين القهوة المتتالية في تلطيف مزاجه، وغالباً ما يغادر البيت وهو مكفَهرّ، ويعود إليه وهو مكفهر، ولا تُشرق ابتسامته إلا في غرفة النوم.. بحيث إنني تحولت، بقرار من زوجي، إلى امرأة مُصابَة بالإنفصام، بين هذه الغرفة وأي مكان آخر في البيت.
أعترف بأنّ زوجي رجل ماكر، كما أعترف بأنني أحبه إلى درجة الغرام، لكنّه الغرام الممضّ الذي يُفقدني السيطرة على نفسي، ويجعل منّي تابعة له، يأمر فتنفّذ ويقترب منها فَتَنُوس كقطّة أليفة، ثمّ يبتعد فتنسحب كل الأحاسيس الحلوة من شرايينها.
لذلك تَمرُّ عليَّ ساعات وأيام من الحزن والكآبة، حين أبحث عن فؤاد العاشق فلا أجده، بل أسمع نبرة عالية تُلعلع في أرجاء البيت، وتخدش أذنيَّ وتتعمّد إهانتي. إنّ زوجي مصاب بالإنفصام أيضاً، وهو لا يشبه في النهار ذلك المارد الذي يخرُج من القمقم في الليل، ويلبّي كل ما أطلب.
زادت أوقات حزني وصارت دموعي هي الناطقة الرسمية بلساني، والمعبّرة عن التشتت الذي أعيشه. وأفكر، أحياناً، في إستشارة طبيب نفسي لعلّه يساعدني على فهم نفسي. كيف أنسى كل إهاناته وتجاهله لي، بمجرّد أن يغمز لي بعينه ويدعوني إلى مائدة الغرام التي تُسكرني وتدير رأسي؟ لعلّ الزوجة العاقلة لا تطلب شيئاً أكثر من هذا.. لعلّها تتغاضى ولا تتوقف عند تقلّبات زوجها المزاجية ولا عند طبعة العكر. أليس المهم أن يكون صافياً معها في الفراش، حصاناً جامحاً لا يَكَلّ ولا يَملّ؟!
أريد زوجي أذناً مصغية إلى همومي وهواجسي، شقيقاً لروحي، كما يقولون في الروايات والأشعار.. فهل أطلب الكثير إذا حاولت أن أكون صديقة له، لا مجرّد مَحْظيِّة؟ وكيف تفعل الزوجات الذكيات لكسب إحترام أزواجهنّ، فيحصلن على الحب على طول الخط، وليس على ذلك الغرام الليلي الذي يمحوه النَّهار؟
لمزيد من التواصل مع موقع عالم المعرفة و التميز أضغط هنا و أنضم لصفحتنا على Facebook