مشكلة الاغتراب لدى الشباب الجامعي.. الحلول والعلاج


إنّ مشكلة الاغتراب من أعقد المشكلات، لكننا قبل التصدي لمحاولة إيجاد الحلول لها والبحث عن أساليب علاجها ووضع الإستراتيجيات الكفيلة بمواجهتها يجدر بنا أن نناقش بإيجاز بعض الأسس والمبادئ العامة التي ينبغي أن يقوم عليها علاج مشاكل الشباب بقطع النظر عن نوعها. وهذه الأسس أو المبادي العامة مستمدة في مجموعها من مبادئ الصحة العامة، و
مبادئ الصحة النفسية، ومبادئ التحليل النفسي والعلاج النفسي، ومبادئ علم النفس التربوي، ومبادئ العلاقات الإنسانية.
وأوّل هذه الأسس: هو ضرورة تأكيد النظرة الكلية للشخصية الإنسانية وتأكيد مبدأ تكامل العلاج الطبي والنفسي والإجتماعي فتقسيم مشاكل الشباب إلى مشاكل جسمية ومشاكل عقلية ومشاكل إجتماعية وهو في الواقع تقسيم غير حقيقي أو هو تقسيم صوري يقصد به تسهيل الدراسة والفهم لا غير.
ومن هنا ينبغي للمشرفين والقائمين على تربية الشباب ورعايتهم أن ينظروا إلى شخصية الشباب على أنها وحدة متكاملة يتأثر بعض جوانبها بالبعض الآخر وأن يعالجوا مشاكل الشباب على أساس من هذا المبدأ التكاملي.
الأساس الثاني: أن اتّحاد أو تشابه المشكلة بين شابين أو أكثر لا يعني أن أسبابها بالنسبة لكل منهم هي واحدة، بل كثيراً ما تختلف هذه الأسباب من شاب إلى آخر، حيث أن لكل واحد منهم صفاته الموروثة وظروفه النفسية والمنزلية والبيئة العامة.
وكما أنّ تشابه مشاكل الشباب لا يستدعي اتّحاد أسبابها فإنّه يمكن القول أيضاً بأن تشابه ظروف الحياة التي تعيش فيها مجموعة من الشباب لا يستدعي أن تكون المشاكل التي يتعرّضون إليها واحدة حتى ولو كانوا أخوة ويعيشون في بيت واحد.
الأساس الثالث: أنّ التركيز في علاج مشاكل الشباب وانحرافاتهم وأمراضهم الجسمية والنفسية ينبغي أن يكون على الأسباب والعوامل التي أدت إليها بدلاً من أن يكون على أعراض المشكلة أو المرض لأنّنا إذا أهملنا أسباب المشكلة وركّزنا على علاج اعراضها فإنّنا لا نستطيع أن نضمن علاجاً دائماً وحقيقياً للمشكلة أو المرض وحتى إن اختفت أعراض المشكلة بصورة مؤقتة – نتيجة لذلك العلاج فإنّ المشكلة سرعان ما ترجع من جديد ما دام سببها قائماً.
الأساس الرابع: أنّ الشاب صاحب المشكلة يجب أن يقوم بالدور الإيجابي الأكبر في حل مشكلته، كما يجب أن يهيأ له الجو المناسب للقيام بمثل هذا الدور وأن يعود على مواجهة المشاكل وأن يدرب على عملية حلها. وحتى عندما تحتاج المشكلة إلى مساعدة متخصصة كما هي الحال في الأمراض الجسمية والنفسية الحادة فإنّه لا يزال ينتظر من الشاب صاحب المشكلة تعاونه ومساعدته أثناء العلاج، وبدون هذه المساعدة وذلك التعاون قد لا يأتي العلاج بنتائجه الإيجابية المرجوة.
الأساس الخامس: أنّ علاج مشاكل الشباب يتطلّب تعاوناً من جميع الجهات المعنية، فقد لا يكفي لتحقيق النتائج المرجوة من العلاج تعاون الطبيب أو الموجه أو الشاب صاحب المشكلة. بل لابدّ أن تضاف إلى ذلك تعاون المحيطين بهذا الشاب من آباء وإخوة وأصدقاء وجيران ورفاق ومدرسين. فعلى هؤلاء جميعاً تقع المسؤولية أيضاً في الرفع من معنوياته وفي تجنب إثارة أي ضغط إنفعالي عليه وتجنب الحديث معه في مشكلات ما قبل المرض وعدم تعييره أو حتى تذكيره بهذه المشكلات، كما تقع عليهم المسؤولية أيضاً في المساعدة على تغيير نظرته إلى نفسه وإلى قدراته وإمكانياته ودوره في الحياة وعلى تغيير البيئة والظروف السيِّئة التي أدّت إلى مشكلته.
- الحلول وطرق العلاج:
1- التخطيط لشغل فراغ الشباب بحيث يرتكز على الإدراك الصحيح لإهتمامات الشباب وحاجاته الأساسية وأن يتم بطرق إيجابية تساعدهم على إكتشاف ذواتهم وموقعهم من المجتمع ودورهم فيه مما يعد مطلباً أساسياً لبناء المجتمع.
إنّ إستغلال فراغ الشباب بهذا الشكل البناء يساعد على تنفيس الضغوط الإجتماعية والإنفعالات المكتوبة وتجاوز الفراغ العاطفي مما يحمي المجتمع من الظواهر الغريبة الضارة بحركته ويهيؤ له الإستفادة بالطاقات الكبيرة للفئات الشبابية.
2- العمل على تدريس التربية الدينية في جميع مراحل التعليم والمراجعة الشاملة لمناهج تلك المادة وربطها بالبعد الإجتماعي وقضايا المجتمع ومشاكله والإستفادة منها في بث القيم الإجتماعية الإيجابية وإستغلالها كأحد الوسائل الفعّالة للضبط الإجتماعي ولتكون سياجاً قوياً يحمي الشباب من السلوك المنحرف والأفكار الهدامة والأفعال المضادة للمجتمع.
3- دعم سياسات الإعلام الشبابي بما يمكّن أجهزة الإعلام من أن تمد الشباب بالمعلومات الدقيقة والكافية التي تنمي لديهم الوعي وتساعدهم على التعرف على إحتياجات مجتمعهم وقضاياه ومشكلاته وتحيطهم بحقيقة الصراعات السياسية والأيدلوجية العالمية والإقليمية والمحلية.
كما يجب إحكام الرقابة – هذا ممكن فنياً – على تدفق المعلومات والأفكار والبرامج التي تدخل البلاد من خلال الفضائيات أو شبكات المعلومات حتى يمنع وصول الفكر الشاذ الذي لا يتمشى مع قيم المجتمع الأساسية.
4- إنّ تفهم حاجات الشباب ومشكلاتهم يستلزم بدوره وضع سياسة شبابية قومية ترتكز على أسس من المعرفة العلمية بقضايا الشباب ومشكلاته، وهذه السياسة يمكن أن تقوم على الركائز الرئيسية التالية:
- ضرورة النظر إلى الشباب بوصفهم جزءاً هاماً من قوة العمل الإقتصادية في المجتمع بغض النظر عن الدور الذي يلعبه التعليم الرسمي في هذا الصدد.
- ضرورة تطوير فهم علمي صحيح لمحتوى الذات الإجتماعية للشباب بحيث لا تكون سمتا الرومانسية أو المثالية سمتين سلبيتين وإنّما تتحوّل هاتان السمتان إلى طاقة معنوية توظف في مجال حفز الشباب إلى بذل جهد أكبر من أجل تقدّم المجتمع وتماسكه ووحدة بنائه.
- العمل بكافة الطرق والأساليب على ألا ينعزل الشباب عن مجتمعه وإتاحة الفرص لهم بالمشاركة الفعالة في بناء مجتمعهم ومن أمثلة ذلك:
* تمكين الشباب من إنجاز بعض المهام مثل إفتتاح فصول لمحو الأمية وإنشاء دور الحضانة وإقامة المساجد وردم البرك والمستنقعات ونظافة الحي وتطهير المصارف وغيرها.
* إكساب الشباب المهارات لتناول وحل مشكلات مجتمعهم المحلي وأهم هذه المهارات: تحديد المشكلة وإختيار البدائل الملائمة وبناء نسق من العلاقات بالمجتمع المحلي والمجتمع الأكبر وتنفيذ الحلول المختارة والمتابعة والتقييم.
- إتاحة الفرص أمام الشباب لإقامة العلاقات الإجتماعية المنتجة والإيجابية بما يدعم الثقة بأنفسهم ويعمق الشعور بإنتمائهم لمجتمعهم ويحل ذلك محل الشعور بالرفض والإغتراب.
- خلق المناخ الصحي الذي يتيح للكبار فرص توجيه الشباب وممارسة الحياة الديمقراطية الصحيحة والقدرة على المشاركة في تقويم الأخطاء في إطار الشرعية ومن خلال المؤسسات الدستورية وأجهزة الإعلام ووسائل التعبير السليم عن الرأي.
- العمل على دعم إنتماء الشباب للنظم الإجتماعية القائمة وإشراك الشباب مشاركة حقيقية فعالة في وضع الخطط اللازمة لتغيير هذه النظم، وبهذا يتحوّل الشباب إلى قوة إيجابية فعالة من قوى البناء والإصلاح الإجتماعي والسياسي.
- أن يكون النظام السياسي حازماً وحكيماً في نفس الوقت بالنسبة لمواجهة الأخطار الإجتماعية والنفسية والسياسية التي يمكن أن يتعرّض لها الشباب.
- أن تتبنى برامج العمل الإجتماعي مع الشباب قيم المشاركة والثقة في قدرات الشباب على العطاء إذا وجدوا الفرصة المناسبة وأمكن تنظيم جهودهم والإستفادة من قدراتهم في مجال التنمية.
- النهوض بالشباب عملية شاملة ذات جوانب ثقافية ورياضية وإجتماعية وتشترك فيها أجهزة ومؤسسات عديدة وذلك حتى تتحقق للشباب تنمية متوازنة بدنياً وروحياً وإجتماعياً ونفسياً ولذلك فنحن نحتاج لإسناد هذا الأمر إلى جملة المتخصصين من علماء الإجتماع والنفس والسياسة ورجال الدين والثقافة... إلخ.
- يجب الإشارة إلى أهمية الإستفادة من خبرات وتجارب الدول الأخرى في مجال النهوض بالشباب وكيفية توجيه الطاقات الشبابية نحو خدمة قضايا التنمية والمجتمع. ومن واجبنا أن نحلل هذه التجارب فنأخذ منها ما يصلح لنا ويناسب ظروفنا ونترك ما لا يصلح.
- الدعوة إلى عقد مزيد من المؤتمرات والندوات واللقاءات التي تعني بمناقشة قضايا الشباب وذلك في ضوء مزيد من الدراسات والبحوث العلمية الجادة. وهي دراسات من شأنها أن تساعد في توجيه القائمين على إعداد الشباب الوجهة السليمة.
- رعاية جميع شباب المجتمع: ويعني هذا أن تمتد رعاية الشباب بحيث تشمل جميع مَنْ يقع في مرحلة الشباب الذكور منهم والإناث، وكذلك شباب الحضر وشباب الريف إلى جانب شباب المدارس والمعاهد والجامعات وشباب العمال كما تشمل شباب المسلمين وشباب المسيحين دون تفرقة بين أبناء الوطن الواحد. كما أنّ التسليم بإمتداد رعاية الشباب حتى تشمل جميع شباب المجتمع يقضي بأنّ يؤخذ في الإعتبار التباين بين هؤلاء الشباب من حيث الخصائص والقدرات والإحتياجات إلى غير ذلك، الأمر الذي يقضي بأن تكون هناك برامج وخدمات خاصة بالذكور تختلف عن تلك التي تخص الإناث، كما يختلف الأمر بالنسبة لأبناء الريف عنه بالنسبة لأبناء الحضر وكذلك بالنسبة للطلاب عنه بالنسبة الصناعية إلى المناطق الصحراوية إلى غير ذلك. وينسحب هذا التباين على الجوانب التنفيذية لرعاية الشباب مع كل نوعية من نوعيات الشباب المذكورة والذي يراعي عند التخطيط لرعاية الشباب.
5- وللقضاء على الإحساس بالإغتراب يجدر الإشارة هنا إلى عدد من العوامل التي يمكن أن تسهم بقدر ما في تكوين الشخصية المنتمية، وفي مقدمة هذه العوامل:
- إشباع حاجات الأفراد منذ مراحل نموهم الأولى إشباعاً يدركون من خلاله قيمة وطنهم الذي مكنهم من إشباع معظم متطلّبات حياتهم في مختلف مراحل أعمارهم.
- إحساس أفراد المجتمع بالأمن والإطمئنان والعمل على القضاء على كافة العوامل التي تسبب القلق والإضطراب والتوتر لهم خوفاً على حياتهم ومستقبلهم بما يشعرهم بمدى محافظة الوطن وحبه لهم.
- ممارسة الحرِّية المنضبطة بشكل يمكن الشباب من الإفصاح عن وجهات نظرهم في كثير من أمور مجتمعهم وإحساسهم بأنّ لهم دوراً أساسياً في تنمية وتطوّر هذا المجتمع وتقدّمه بحيث يشعر كل فرد في هذا الوطن بأنّه أسهم في بنائه.
- إتاحة ظروف إقتصادية إجتماعية مناسبة لكل أفراد المجتمع بما يجعلهم بشعرون بالإشباع المادي والإجتماعي في كل أرجاء وطنهم وتحمسهم للتفاني في خدمته ورفع شأنه.
- أن يكون هناك توازن بين الإشباع المادي والإجتماعي وبين ما يبذله الأفراد من جهد فيما يسند إليهم من أعمال أو مهام. ذلك لأنّه كلّما كان هناك توازن بين ما يبذل من جهد وبين إشباع الحاجات كان ذلك أدعى للإحساس بالرضا والإرتياح. والأمر يكون على خلاف هذا إذا لم يحدث التوازن فإنّ الأفراد يشعرون بالألم وخيبة الأمل.
- الإعتراف بقدرات الموهوبين وإبراز مكانتهم الإجتماعية بين أفراد مجتمعهم، بحيث لا يشعر المتفوق أو الموهوب أنّه غير مقدر وأنّه غير ذي إهتمام من جانب مجتمعه كما أن تقدير الموهوبين يدفعهم للمزيد من بذل الجهد والتفوق.
- أن تتاح لكل فرد المجتمع فرصة إمكانية تحقيق ذاته (Self – actualization) وذلك عن طريق العمل على إزالة كافة العوائق التي تحول بين الفرد وتحقيق ذاته وهذا من شأنه أن يجعل الفرد أكثر إرتباطاً بوطنه الذي حقق ذاته على أرضه وشعر بوجوده بين أرجائه.
- أن يلحق كل فرد من أفراد المجتمع بالعمل الذي يتفق وتخصصه لأن ذلك يتيح له إمكانية إشباع حاجاته والإحساس بذاته.
أمّا إذا ما أسند للإنسان عمل لا يتفق وتخصصه الذي بذل جهده طوال فترة دراسته لكي يحقق من خلاله أهدافه وآماله. فإنّ ذلك يعوق نمو شخصيته ونموه المهني ويصل به إلى كثير من مشاعر الإغتراب.
- ألا يشعر الإنسان أثناء ممارسة عمله في وطنه أنّه موضع إحتقار وإستغلال لأنّ ذلك يعمل على تمزيق أواصر الصلة بينه وبين أفراد مجتمعه وبينه وبين مكان عمله وبالتالي يحس بالإغتراب ويبتعد عن دائرة الشعور بالإنتماء.
- إكساب الشباب الشعور بالقدرة الذاتية على ضبط الأحداث وتوجيهها وأهمية ووزن رأيهم وأن تتسم شخصيتهم بقدر ما المبادأة والمشاركة الواعية حيال المواقف الإجتماعية وبالتالي يشعر الشباب بالإنتماء وتزيد فرصة الإقتراب بين صورة ذواتهم الواقعية والذات المثالية مما يؤدِّي إلى إبدال مشاعر الإغتراب لديهم بمشاعر أكثر إيجابية تزيد لديهم الإحساس بالمعنى والقيمة الذاتية وشعورهم بالإنتماء لمجتمعهم.
- أن يتعلّم الفرد منذ طفولته ألا يشبع حاجاته على حساب إشباع حاجات الآخرين ولا يجوز على متطلبات غيره من الناس لأن مثل هذا الأسبوب يضعف من الروابط الإجتماعية ويدفع غيره إلى الشعور بالإغتراب عنه وبالتالي لا يستطيع أن يشعر هو بأية درجة من درجات الإنتماء وسط مجموعة الأفراد التي يعيش بينهم.
- مراعاة البعد الفردي في الإنسان بمعنى ألا تكون القيم التي يسعى المجتمع إلى إكسابها للفرد مانعة له من التعبير عن ذاته الفردية، لأن منع الفرد عن التعبير عن ذاته يؤدِّي إلى كبت كثير من الدوافع لدى الفرد، وترتبط عملية الكبت هذه بالجماعة أو المكان الذي تسبب فيه وهذا من شأنه أن يقلل من درجة الإنتماء لكل من الجماعة والمكان.
- أن تؤدِّي عملية التطبيع الإجتماعي إلى إحداث التوافق الفعلي بين أفراد المجتمع بحيث يشعر كل فرد من خلال ما يصدر عنه من سلوك بأنّه موضع حب وتقدير وإحترام حقيقي من أفراد مجتمعه. وهذا بدوره يحول بين شعور الإنسان بالإغتراب ويحقق أعلى درجات الإنتماء.
- التوسع في المشروعات القومية الكبرى التي يلتف حولها الشباب وتشبع رغبتهم في إثبات الذات وإستهلاك طاقاتهم وإبراز إنجازات الدولة الإيجابية في المجالات المختلفة لتنمية الولاء للوطن لدى الشباب وعدم شعورهم بالإغتراب.
ويجب مراعاة مختلف العوامل سابقة الذكر عند إعداد البرامج التربوية والتعليمية والترفيهية في جميع أجهزة الدولة ومؤسساتها المعنية بتربية وتنشئة الشباب ورعايته.
المصدر: كتاب الاغتراب النفسي لدى الشباب الجامعي