مَن الذي يصنع الضمير الأخلاقي في داخلي؟


مَن الذي يصنع الضمير الأخلاقي الذي يجعلني أعيش القانون في داخلي فأمتنع بإرادتي وأقتنع بإرادتي؟
لا يوجد على الإطلاق مصنع قادر على هذه الصناعة الفريدة غير (الدِّين)، لأنّ ضميري قد ينهزم أمام غرائزي فلا يردعها عن ارتكاب الجرائم. أمّا رقابة الدِّين فهي دقيقة ومستمرّة، وتُحصي عليَّ حركاتي وتصرّفاتي كلّها، بل هي بذلك تحصِّنني وتحميني من السقوط والإنهيار، فالله تعالى وكَّل بي مَلَكين يتابعون كلّ شؤوني ويحصيان عليَّ كلّ حركاتي ويتركان ذلك لله وليوم الجزاء، ووكّل بي إخوة ديني في مراقبتهم لسلوكي كرقابة اجتماعية تعتمد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفوق ذلك كلّه يقف الله رقيباً عليَّ لا يفوته ما قد يفوت الرقابات الأخرى.. إنّه (الشاهد) و(القاضي) في نفس الوقت.. أقربُ إليَّ من حبلِ الوريد ويعلم ما توسوسُ به نفسي.. فأين أهرب منه، وكيف أفلت من قبضته؟
الشيء المهمّ هنا، أنّ الرّقابة الإلهية ليست بوليسيّة أو مخابراتيّة، هي أشبه بـ(الحارس الشخصيّ)(*)، لكنه حارس يحرسني من الداخل، فإذا أردتُ تجاوز حدودي قال لي: قِف، وإذا أردتُ الإستماع لأهوائي وغرائزي أمسَكَ بيدي، وإذا نسيتُ دقّ جرس التذكير أو الإنذار في داخلي لأنتبه.. إنّه معي في ليلي ونهاري، ومعي في الغُرف المغلقة وفي الهواء الطّلق، فأين المهرَب من كاميراته الخفيّة؟
.............................
الهامش
(*) الحارس الشخصيّ (Body Guard) يستأجرهُ الإنسان ليحميه من الإعتداءات الخارجية التي قد يتعرّض لها، ولكن هذه الحماية خارجية فقط، أي حماية الجسد من الإعتداء والتحرُّش والإيذاء، وهي مؤقّتة لأنّها تكون ضمن أوقات معيّنة وأماكن معيّنة، وحتّى لو كانت معي طوال الوقت فقد تُقتَل وهي تُدافع عنِّي.