كيف نساعد الصغار في بيئتهم المدرسية؟


حبنا لأي مكان يتوقف على شكل الخبرة التي عشناها خلاله وعلى لون الذكرى التي نحملها له، فإن كانت خبرة وذكرى ملونة بلون الفرح والسعادة كان حبنا للمكان أعمق والعمل خلاله أمتع، وإن كانت الخبرة والذكرى ملونة بلون رمادي انعكس هذا على حبنا للمكان، وكانت رغبتنا في العيش خلاله تقريباً معدومة، ولربما نعيش فيه مجبرين.
حياة طفلك تستطيع أن تشكلها وتلونها وببعض الجهد تستطيع أن تجعله إنساناً ناجحاً وسعيداً في بيئته المدرسية، وببعض الوقت تقضيه في المنزل تمارس معه بعض الأنشطة ستساعده ليكون أكثر نجاحاً وأكثر تفاعلاً وأكثر حباً لمدرسته.
النجاح في أي عمل يحتاج بذل الجهد والتخطيط، والتمكن من بعض المهارات الأساسية والرغبة الحقيقية في النجاح، ويتوج كل هذا النية الصادقة والتوكل على الخالق المدبر لأمر عباده، وحتى ينجح الصغار يجب أن ننقل لهم تلك المبادئ والأفكار.
المكان الذي يتعلم فيه أبناؤنا مهم، ولهذا يجب أن نبحث عن أنشطة منزلية يتعلم منها الصغار بعض المبادئ، وعلينا أيضاً أن نقوي علاقتهم مع المجتمع والمدرسة والمسجد، فهي الأماكن التي سيكمل فيها الصغار مسيرتهم التعليمية، وما يتعلمه الصغار أيضاً مهم، ولهذا علينا أن نحرص على شكل تصرفاتنا وأقوالنا؛ لأنه سيكون لها تأثير غير مباشر على ثقة الصغار بأنفسهم وأخلاقياتهم، والطريقة التي نؤثر بها على الصغار مهمة أيضاً، ومن أهم الأشياء التي يجب أن نعلمها للصغار هي البحث عن وسائل مختلفة للتعلم، كل النقاط السابقة سنحولها إلى وسائل عملية لتهيئة الطفل للتعلم بشكل مفيد وممتع مما يجعل المدرسة والتعليم خبرة مبهجة له.
* أماكن للتعلم ووسائل للتهيئة
1- المنزل: هو المكان الحقيقي لتعلم الطفل، فالطفل قد يقضي في المدرسة ما بين 180 إلى 240 يوماً في السنة – حسب النظام التعليمي المتبع – ولكن باقي وقته يقضيه في بيئته المنزلية، ومن أكثر العوامل التي تؤثر على الطفل في المنزل هي الطريقة التي نتحدث بها معه، والتي نعامله بها، وليس كما يعتقد البعض أن المؤثر الأكبر هو العامل المادي والثقافي للأسرة، فالطريقة التي نعامل بها الطفل والطريقة التي نتحدث بها معه هي التي ستكسبه ثقته بنفسه وتشعره بقيمته، وهذا لن يؤثر فقط في حياته المدرسية، ولكن أيضاً في حياته المستقبلية عندما يخرج لمعترك الحياة.
ومن أهم ما يمكن أن نقوم به في المنزل، هو أن تكون قنوات الاتصال والحوار مفتوحة مع الأبناء، فنسأل وننتظر الإجابة ونناقش في أي وقت وفي أي مكان، في السيارة، وعلى الطعام قبل النوم، وأثناء التنزه، فالأمر لن يكلفنا شيئاً، ولكنه غاية في الأهمية للصغار الذين سيعتادون على الاتصال الجيد مع الآخرين؛ مما يمكنهم من التعلم الجيد عندما يكونون على مقاعدهم في صفوفهم المدرسية.
* هناك نقاط أخرى مهمة يمكننا القيام بها في المنزل مثل:
- أن نكون للصغار قدوة في مسألة قراءة الكتب، ويصبح الكتاب موجوداً دائماً أمام أعينهم، سواء نقرأه نحن أم نقرأه لهم، وما ينطبق على الكتاب ينطبق على الصحف اليومية والمجلات الهادفة، اقرأ لهم وشجعهم على أن يقرؤوا لك، اجعل بعض هداياك لصغارك عبارة عن كتب يحبونها أو اشتراك سنوي في مجلة تخاطب أعمارهم وتقدم لهم ما يفيدهم.
- الأدوات المكتبية من أقلام وورق وألوان من المهم أن تكون متوافرة في المنزل ليستخدمها الطفل منذ سنواته الأولى، سواء في التلوين أو تعلم بعض الكلمات، فالكتابة عملية تحتاج إلى تدريب، وهذا التدريب يبدأ مبكراً في المنزل.
- امنح صغارك الفرصة للتعلم بأنفسهم، ولا تقوم بعمل كل شيء لهم – وهو الأسهل بالنسبة لك ولهم – بل كن صبوراً واسلك الطريق الأصعب في تعليم الصغار، وهو مشاهدتهم وهم يقومون بالعمل ومن ثم تعديله لهم وإعطاؤهم فرصة أخرى ليقوموا به.
- علّمهم كيفية تجزئة العمل إلى مهام صغيرة يقومون بكل مهمة بشكل منفصل؛ حتى يصلوا لإنجاز العمل بشكل متكامل سواء كان هذا العمل رحلة مع الأصدقاء، أو التجهيز لمباراة، أو أداء واجبات، أو القيام بوظيفة منزلية.
- ضع خطة لأسرتك وأبنائك يكون فيها لكل شخص جزء من المهمة، وكن واضحاً في تفاصيل ما تريده من كل منهم، وضع حداً زمنياً لإنجاز ما طُلب من كل فرد.
- تعامل مع التلفازر بحكمة، وضع خطوطاً حمراء لما يُشاهَد، وعيّن وقتاً محدداً وشاهد مع صغارك برامجهم التلفازية وناقشهم فيما يشاهدونه.
- الواجبات المدرسية وأداؤها في المنزل موضوع يحتاج إلى بعض التفصيل، ولكننا سنختصر الحديث بعدد من النقاط، أهمها: ضرورة تقديم يد العون لأطفالك أثناء واجباتهم، ولا نعني هنا أن تقوم أنت بعملها لهم، ولكن تعلمهم الطريقة الأفضل في عملها والاستفادة منها، أظهر السعادة عند إنجاز العمل بشكل جيد، وإذا اقترحت أو نقدت فليكن بشكل تقديم العون وليس التجريح، ووفّر المكان المناسب ليقوموا بعمل واجباتهم فيه، وهذا كله سيوصل رسالة للصغار مفادها أن التعليم أمر مهم وأن الواجبات يجب أن تؤدى.
- شجع النشاطات العملية المتعلقة بالتعلم، كزراعة بعض البذور ومراقبة نموها معاً، أو البحث في الكتب عن المواضيع والصور التي تفيد العملية التعليمية، أو الذهاب في رحلات لأماكن ليرى فيها الطفل ما يتعلمه، كالمتاحف أو حدائق الحيوان أو المراكز العلمية.
- من المهم أن ندمج الصغار في خبراتنا وحياتنا، فنتحدث معهم عن أهدافنا والتجارب التي مررنا بها وقصص كتبنا سطور تفاصيلها، فالأبناء يحبون الاطلاع على ما نمر به من أحداث ويحبون أيضاً أن يشاركونا بعض طموحاتنا.
- علّمهم معنى التضحية وتقديم الجهد من أجل هدف راقٍ وسام، وكن مثلاً لهم في هذا الأمر.
- من الأفضل أن يكون هناك معجم أو موسوعة في المنزل يتعلمون من خلالها البحث والاطلاع على معانٍ معينة وتعاريف مختلفة.
- إذا كنت من محبي الشعر والنثر، شارك الكبار من الأبناء قصائدك وأبياتك المفضلة، وتحدث معهم عن شعرائك وكتابك المفضلين.
- علينا ألا ننسى هنا أهمية الصحة العامة للصغار والمحافظة عليها وتقويتها وعمل الفحوص الدورية للعين وللأسنان وللدم، والتركيز على التغذية السليمة وتعليمهم العادات الصحية للنظافة والطعام، فهذا كله له تأثير مباشر وغير مباشر على تحصيلهم العلمي ونشاطهم وإقبالهم على الحياة والتعلم، كما أن الصحة النفسية لها دور في رغبة الطفل لاكتشاف ما حوله والتمتع بما يملك والاستفادة بما يتعلم، ولهذا علينا مراقبة الصغار والتعرف على ما يقلقهم ويسبب لهم الخوف او الحزن والتعامل معه بشكل سريع حتى لا يكون له أثر سلبي على حياتهم.
- الالتزام بموعد محدد للنوم أمر ضروري، فالعملية التعليمية تحتاج أن يكون الطفل بكامل طاقته العقلية والجسدية، وهذا يأتي بحصوله على قسط وافر من الراحة.
2- المجتمع: هو المكان الثاني لتعلم الطفل، من المهم أن نعرف الطفل على جيرانه وأقربائه، ونحاول أن نوجد علاقة جيدة مع من يعيش حولنا، من المهم أن يشعر الطفل بما نقوم به من أجل مساعدة الآخرين وتقديم العون لهم، بل نجعل له جزءاً ليقوم به من تلك المهمة، علاقات الطفل مع الآخرين وطريقة تعامله معهم أمر ضروري لحياة الطفل ومسيرة تعليمه.
3- المدرسة: التعلم في المدرسة ليس مسؤولية الهيئة التدريسية فقط، بل للآباء دور أيضاً يبدأ من المنزل وما نقدمه من مساعدة للصغار سواء في التعلم أو أداء الواجبات، ويشمل أيضاً مشاركتنا في النشاطات المدرسية ومجالس الآباء وتبادل المعلومات مع أساتذة الأبناء، وما تستطيع أن تقدمه لصغارك هنا يشمل تشجيعهم على التعلم وإظهار أهميته لحياتهم، التحدث معهم عن يومهم الدراسي وأهم الأحداث التي مرت بهم، متابعتهم عن طريق قراءة التقارير المدرسية والملاحظات التي يكتبها المدرسون، وحضور اللقاءات المدرسية ومشاركة الصغار في البحث عن مصادر مختلفة للتعلم، ولكن قبل كل هذه النقاط، من المهم أن يعرف الطفل أهمية ما يقوم به لحياته وأن نضع معه هدفاً يحب أن يصل إليه من خلال العملية التعليمية، فقط يجب صياغة الأهداف مع الصغار ومراقبتهم وهم يحققونها، فمثل تلك الأمور لها مفعول السحر في العملية التعليمية.
تشجيع الصغار على تكونين صداقات في المدرسة سيحولها إلى مكان ممتع ومريح؛ مما يساعد عل تلقي العلم بشكل أفضل، وتشجيع الصداقات يحتاج إلى تمرين الصغار على مهارات حياتية مختلفة، بل يحتاج على جهد من الوالدين لتنقية صداقات الأبناء، مما يشوبها من أصدقاء ليسوا بالمستوى الأخلاقي المطلوب، ومد يد العون للصغار الذين لا يملكون الموهبة الكافية لجذب الآخرين وتكوين علاقات اجتماعية.
4- المسجد ودور العلم: كان ومازال للمسجد دور فعال في حياة الفرد، بل هو من المحطات المهمة في المسيرة التعليمية، علّم الصغار الصلاة في المسجد وعلى صحبة المسجد وشجعهم على المشاركة في النشاطات التي تقدمها بعض المساجد، كالمسابقات وحلقات حفظ القرآن وحضور الدروس الدينية والاجتماعية والتي أيضاً للفتيات نصيب منها في الكثير من الدول، ودعهم يشاركون في الإفطار الجماعي الذي يكون في بعض المساجد أثناء شهر رمضان أو في غيره كمنظمين أو مشاركين دعهم يقدمون العون المادي أو المعنوي في حالة قيام المسجد بعمل تطوعي جماعي، وهذا كله بعد أن تطمئن إلى ما يقدمه القائمون على المسجد من معلومات للأبناء، وتتعرف على الجهة القائمة عليه، وهذا يكون بمشاركتك لهم أنشطتهم والتعرف عليهم.
لقد أثبتت الدراسات بدون أدنى شك أن حياة الطفل وتحصيله الدراسي والدرجات التي يحصل عليها في مواده الدراسية ورغبته في تكملة دراساته المستقبلية وتصرفاته في المدرسة وداخل الفصل ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمقدار ما يقدمه الوالدان من مجهود في تعليمه، ومشاركته بالطريقة الصحيحة في حياته المنزلية والدراسية، فأبناؤك هم استثمارك الرابح، فلا تبخل عليهم بوقتك وجهدك وحسن تعليمهم وتربيتهم.