الشمبانزي يتعرف على نفسه في المرآة.

حتى وقت قريب كانت تصرفات الحيوانات دون استثناء تفسر على أنها تصرفات غريزية محضة، لا أثر فيها لوعي أو ادراك، وعلى ذلك لم يكن هناك مجال للحديث عن عواطف الحيوان مادام الحيوان لا يعي ذاته ولا يدرك وجوده أصلا. غير أن التقدم في علم سلوك الحيوان "ايثولوجي" أثبت ضرورة مراجعة هذه النظرة، خصوصا بعد أن توافرت بعض الأدلة على أن بعض القردة العليا تعرف حقيقة وجودها وتتفاعل تفاعلا واعيا مع الآخرين. ولقد اتخذ العلماء من تصرف الحيوان إزاء صورته مقياسا للحكم على مدى ادراكه لذاته وللغير، وذلك بعد ما اكتُشف أن حيوان الشمبانزي يستطيع التعرف على صورته في المرآة. فعندما وضع العالم الأمريكي "جالوب" مرآة بطول و ارتفاع الجدار بأحد أقفاص الشمبانزي، لاحظ أن الحيوانات تعاملت للوهلة الأولى مع صورها و كأنها صور حيوانات أخرى، ولم يكن ذلك مستغربا بطبيعة الحال فهي لم تشاهد مرآة بحياتها، ولكن بعد أن ظلت المرآة مكانها لبضعة أيام بدأت أفراد الشمبانزي ترتاب في الأمر و تقوم بحركات استطلاعية أمام المرآة، وسرعان ما عرفت الحقيقة. وربما لا نستطيع نحن البشر أن نتخيل مقدار الذهول الذي يمكن أن يصيب الشمبانزي لحظة اكتشاف صورته، لكن حدثاً كهذا هو بغير شك حدث جلل في حياة ذلك الحيوان! أما الذي أذهل "جالوب" نفسه فهو ما لاحظه من أن الشمبانزي الذي يكتشف صورته في المرآة لا يلبث أن يتجاوز ذهوله و يتعلم بسرعة كيف يستفيد من المرآة في تمشيط شعره وتهذيب هيئته وتفحص أسنانه، وما إلى ذلك. بعد ذلك قام العالم الامريكي باخضاع مجموعة من الحيوانات إلى نفس الاختبار وخلص من ذلك اى أن الشمبانزي و الأورانجوتان فقط – منبين جميع الحيوانات التي ثمت دراستها – هما النوهان الوحيدان القادرين على تمييز صورتيهما في المرآة. في الحقيقة لقد أذهل العالم الأمريكي "جالوب" الجميع باختباره هذا الذي أطلق عليه اسم اختبار المرآة.

نشر : إسماعيل بديع .